التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّ أَصِحِّيَّتَهُمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا تَنَزُّلًا إنَّمَا يَكُونُ بِلُزْمَانِهَا مَنْ بَعْدَهُمَا لَا الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ يُغَالِطُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
(وَيَجِبُ) التَّرْجِيحُ لِلْمَرْوِيِّ (بِالذُّكُورَةِ) لِرَاوِيهِ (فِيمَا يَكُونُ خَارِجًا) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ خَارِجَ الْبُيُوتِ (إذْ الذَّكَرُ فِيهِ أَقْرَبُ) مِنْ الْأُنْثَى (وَبِالْأُنُوثَةِ) لِرَاوِيهِ (فِي عَمَلِ الْبُيُوتِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ بِهِ أَعْرَفُ (وَرَجَّحَ فِي كُسُوفِ الْهِدَايَةِ حَدِيثَ سَمُرَةَ) بْنِ جُنْدَبٍ الْمُفِيدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَزَاهُ إلَى رَاوِيهِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تُوجَدْ عَنْهُ (عَلَى) حَدِيثِ (عَائِشَةَ) الْمُفِيدِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (بِأَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لَهُمْ) أَيْ لِلرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا إذَا لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ غَيْرُ عَائِشَةَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَعَبَّرَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِتَرْجِيحِ الذَّكَرِ فِي غَيْرِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ أَحْكَامِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَضْبَطُ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى وَأَشْمَلُ ثَانِيهَا يُقَدَّمُ خَبَرُ الذَّكَرِ عَلَى خَبَرِ الْأُنْثَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ ثَالِثُهَا لَا يُقَدَّمُ خَبَرُهُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ الذُّكُورَةُ عَلَى خَبَرِهَا (وَكَثْرَةُ الْمُزَكِّينَ) فِي التَّرْجِيحِ بِهَا (كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ) وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَتِهَا مِنْ وِفَاقٍ وَخِلَافٍ.
(وَبِفِقْهِهِمْ وَمُدَاخَلَتِهِمْ لِلْمُزَكَّى) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِفِقْهِ مُزَكِّي رَاوِيهِ وَمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْبَاطِنِ لَهُ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي مُزَكُّو رَاوِيهِ لَيْسُوا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَنَّ صِدْقِهِ أَقْوَى (وَبِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ بِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ (فِي رَفْعِهِ) إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَارِضِهِ الْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ وَوَقْفِهِ عَلَى رَاوِيهِ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ مِنْ قُوَّةِ الظَّنِّ بِنِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ لِلْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ قُلْت وَلَوْ قِيلَ هَذَا فِيمَا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُخْتَلَفُ فِي رَفْعِهِ مِمَّا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ لَكَانَ وَجِيهًا (وَتَرَكْنَا) مُرَجِّحَاتٍ أُخْرَى (لِلضَّعْفِ) أَيْ لِضَعْفِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَقَوْلِهِمْ يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَلِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى قُلْت وَفِي ضَعْفِ التَّرْجِيحِ بِالْمُوَافِقِ لِدَلِيلٍ آخَرَ مُطْلَقًا نَظَرٌ وَكَيْفَ؟ وَالْأَحَقُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا لَا يُوَافِقُهُ وَمِنْهَا كَوْنُ الْإِسْنَادِ حِجَازِيًّا أَوْ كَوْنُ رَاوِيهِ مِنْ بَلَدٍ لَا يَرْضَوْنَ التَّدْلِيسَ أَوْ كَوْنُهُ صَاحِبَ كِتَابٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ أَوْ كَوْنُ لَفْظِهِ أَفْصَحَ وَلَفْظِ الْآخَرَ فَصِيحًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَتَكَلَّمُ بِالْأَفْصَحِ وَالْفَصِيحِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ لُغَتِهِمْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ أَنْحَى مِنْ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْوُضُوحُ) أَيْ وَلِوُضُوحِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِمْ بِقِدَمِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ تَعَارُضِ إجْمَاعَيْنِ وَفِي تَعَارُضِ تَأْوِيلَيْنِ يُقَدَّمُ مَا دَلِيلُ تَأْوِيلِهِ أَرْجَحُ وَفِي تَعَارُضِ عَامَّيْنِ مَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَغَيْرُهُ يُقَدَّمُ الْوَارِدُ فِي السَّبَبِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ انْتَهَى. لَكِنْ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ سَالِفًا وَمِنْهَا كَوْنُهُ غَيْرَ مُشْعِرٍ بِنَوْعِ قَدْحٍ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى مَا أَشْعَرَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ عَلَى مَا اضْطَرَبَ وَكَوْنُهُ قَوْلًا عَلَى كَوْنِهِ فِعْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَتَتَعَارَضُ التَّرَاجِيحُ) فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمُخَلِّصِ كَمَا فِيمَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (كَفِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَضَبْطِهِ) فِي رِوَايَتِهِ لِوُقُوعِ «نِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» بَلْ وَهُمَا مُحْرِمَانِ (بِمُبَاشَرَةِ أَبِي رَافِعٍ) الرِّسَالَةَ بَيْنَهُمَا فِي رَاوِيَتِهِ لِتَزَوُّجِهَا وَهُوَ حَلَالٌ (حَيْثُ قَالَ كُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا) وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا وَلَا ضَيْرَ فِي هَذَا فَإِنَّهُ مَعْنَاهُ (وَكَسَمَاعِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (مُشَافَهَةً مِنْ عَائِشَةَ) «أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَإِنَّهَا عَمَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابٌ (مَعَ إثْبَاتِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا) أَيْ عَائِشَةَ «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا فَلَمَّا أُعْتِقَتْ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا فَإِذَا سَمِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute