(وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ مَا فِي التَّرْجِيحِ بِهَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمَحْصُولِ رِوَايَةُ مَعْرُوفِ النَّسَبِ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَجْهُولِهِ.
(وَصَرِيحُ السَّمَاعِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِتَصْرِيحِ رَاوِيهِ بِسَمَاعِهِ كَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا (عَلَى مُحْتَمِلِهِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الرَّاوِي لَهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلسَّمَاعِ (كَقَالَ) لِلتَّيَقُّنِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاحْتِمَالِ فِي الثَّانِي (وَصَرِيحُ الْوَصْلِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ سَنَدِهِ مُتَّصِلًا صَرِيحًا بِأَنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْ رُوَاتِهِ تَحَمُّلَهُ عَنْ مَنْ رَوَاهُ بِ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا أَوْ سَمِعْت أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (عَلَى الْعَنْعَنَةِ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ كُلُّ رُوَاتِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَرِيحِ اتِّصَالٍ بِتَحْدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاتِّصَالِ فِي هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ التَّرْجِيحِ بِصَرَاحَةِ الْوَصْلِ عَلَى الْعَنْعَنَةِ (لِقَابِلِ الْمُرْسَلِ بَعْدَ عَدَالَةِ الْمُعَنْعَنِ وَأَمَانَتِهِ) وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُدَلِّسٍ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ مَسْأَلَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَنْ الْحَاكِمِ الْأَحَادِيثَ الْمُعَنْعَنَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ.
(وَمَا لَمْ تُنْكَرْ رِوَايَتُهُ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُنْكِرْ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي أَنْكَرَ الثِّقَاتُ رِوَايَتَهُ عَلَى رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِهِ أَقْوَى (وَبِدَوَامِ عَقْلِهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ رَاوِيهِ سَلِيمَ الْعَقْلِ دَائِمًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُ رَاوِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَذَا أَطْلَقَهُ الْحَاصِلُ وَالتَّحْصِيلُ وَالْمِنْهَاجُ (وَالْوَجْهُ فِيمَا) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي (عُلِمَ أَنَّهُ) رَوَاهُ رَاوِيهِ الَّذِي اخْتَلَّ عَقْلُهُ فِي وَقْتٍ قَدْ رَوَاهُ (قَبْلَ زَوَالِهِ) أَيْ عَقْلِهِ (نَفْيُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ ذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (وَذَاكَ) التَّرْجِيحُ لِذَاكَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَارِضِ (إذَا لَمْ يُمَيَّزْ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ رَوَاهُ فِي سَلَامَةِ عَقْلِهِ أَمْ فِي اخْتِلَاطِهِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمَحْصُولِ (وَصَرِيحُ التَّزْكِيَةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ رَاوِيهِ مُزَكًّى بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِي التَّزْكِيَةِ (عَلَى) الْآخَرِ الْمُزَكَّى رَاوِيهِ بِسَبَبِ (الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ) أَوْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْحُكْمَ قَدْ يُبْنَيَانِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ وَيَسْتَنِدَانِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِلرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَمَا بِشَهَادَتِهِ) أَيْ كَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ تَزْكِيَةِ رَاوِيهِ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ الَّذِي زُكِّيَ بِالْعَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ وَمَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْخُلْطَةِ وَالِاخْتِبَارِ عَلَى مَا زُكِّيَ رَاوِيهِ بِالْأَخْبَارِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمُعَايَنَةَ أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ.
(وَالْمَنْسُوبُ إلَى كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ الْمَرْوِيِّ فِي كِتَابٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ كَالصَّحِيحَيْنِ (عَلَى) مَنْسُوبٍ إلَى (مَا) أَيْ كِتَابٍ (لَمْ يَلْتَزِمْهَا) أَيْ الصِّحَّةَ (فَلَوْ أَبْدَى) أَيْ أَظْهَرَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا (سَنَدًا) لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ (اعْتَبَرَ الْأَصَحِّيَّةَ) بَيْنَهُمَا طَرِيقًا فَأَيُّهُمَا فَازَ بِهَا فَقَدْ فَازَ بِالتَّقْدِيمِ (وَكَوْنُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) رَاجِحًا (عَلَى مَا رُوِيَ بِرِجَالِهِمَا فِي غَيْرِهِمَا أَوْ) رَاجِحًا عَلَى مَا (تَحَقَّقَ فِيهِ شَرْطُهُمَا بَعْدَ إمَامَةِ الْمُخَرَّجِ) كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَتْبَاعُهُ (تَحَكُّمٌ) وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ إذْ الْأَصَحِّيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِاشْتِمَالِ رِوَايَتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي رِوَايَةِ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابَيْنِ أَفَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِأَصَحِّيَّةِ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عَيْنَ التَّحَكُّمِ، ثُمَّ حُكْمُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ الْمُعَيَّنَ يَجْتَمِعُ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطِ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاقِعِ خِلَافَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ كَثِيرٍ فِي كِتَابِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجَرْحِ، وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِمْ فَدَارَ الْأَمْرُ فِي الرُّوَاةِ عَلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ، وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَرْطًا وَأَلْغَاهُ آخَرُ يَكُونُ مَا رَوَاهُ الْآخَرُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ مُكَافِئًا لِمُعَارَضَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَكَذَا فِيمَنْ ضَعَّفَ رَاوِيًا وَوَثَّقَهُ آخَرُ نَعَمْ تَسْكُنُ نَفْسُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ أَمْرَ الرَّاوِي بِنَفْسِهِ إلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ وَاَلَّذِي خَبَرَ لِرَاوِي فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى رَأْيِ نَفْسِهِ انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْت لَيْسَتْ أَصَحِّيَّتُهُمَا لِمُجَرَّدِ اشْتِمَالِ رُوَاتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا بَلْ وَلِتَلَقِّي الْأُمَّةَ بَعْدَهُمَا لِقَبُولِ كِتَابَيْهِمَا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي غَيْرِهِمَا قُلْت تَلَقِّي الْأُمَّةَ لِجَمِيعِ مَا فِي كِتَابَيْهِمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا لِرُوَاتِهِمَا فَلِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا لِمُتُونِ أَحَادِيثِهِمَا؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَضْمُونِهَا وَلَا عَلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى مُعَارِضِهَا، ثُمَّ مِمَّا يَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute