أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ بَدَلَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِمَةً وَقَالَ «قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا إنِّي عِنْدَ ثَفِنَاتِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً قَالَ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ»
(وَتَعَارَضَ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ) إذْ كَمَا عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» فَعَنْهُ أَيْضًا فِيهِمَا «بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» وَلَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ تَضْطَرِبْ رِوَايَتُهُ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ اضْطَرَبَتْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ تَرْجِيحِ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَارِنًا عَلَى كَوْنِهِ حَجَّ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
(وَبِكَوْنِهِ تَحَمَّلَ بَالِغًا) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَتَحَمَّلْ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَ جَمِيعَهُ صَبِيًّا أَوْ بَعْضَهُ بَالِغًا وَبَعْضَهُ صَبِيًّا أَوْ بِكَوْنِ رَاوِيهِ تَحَمَّلَ بَعْضَ مَا يَرْوِيهِ بَالِغًا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي تَحَمَّلَ رَاوِيهِ جَمِيعَ مَا يَرْوِيهِ صَبِيًّا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَضْبَطُ مِنْ الصَّبِيِّ وَأَقْرَبُ مِنْهُ غَالِبًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ) أَيْ التَّرْجِيحُ (فِيمَنْ تَحَمَّلَ مُسْلِمًا) فَيُرَجَّحُ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ تَحَمَّلَ غَيْرَ مُسْلِمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُسْلِمِ (لَا يَحْسُنُ ضَبْطُهُ لِعَدَمِ إحْسَانِ إصْغَائِهِ وَبِقِدَمِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَيُرَجَّحُ الْمَرْوِيُّ الَّذِي رَاوِيهِ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي رَاوِيهِ حَدِيثُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ خَبَرَ مُتَقَدِّمِهِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِزِيَادَةِ أَصَالَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَحَرُّزِهِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْأَبْهَرِيُّ هَذَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رِوَايَتُهُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ كَمَا سَتَرَى (وَقَدْ يُعْكَسُ) أَيْ يُرَجَّحُ خَبَرُ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَبَرِ مُتَقَدِّمِهِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ شَرَطَ فِي الْمَحْصُولِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ سَمَاعَهُ وَقَعَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (لِلدَّلَالَةِ عَلَى آخِرِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) هَذَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مَاتَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ أَنَّ رِوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمِ أَكْثَرُهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى رَاوِيَاتِ الْمُتَأَخِّرِ فَهُنَا يُحْكَمُ بِالرُّجْحَانِ؛ لِأَنَّ النَّادِرَ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ انْتَهَى. يَعْنِي فَيُقَدَّمُ الْمُتَأَخِّرُ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا فَالْغَالِبُ أَنَّ رِوَايَةَ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ نَاسِخٌ، وَإِنْ عُلِمَ فِي أَحَدِهِمَا وَجُهِلَ فِي الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَرَّخُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ النَّاسِخُ فَيَنْسَخُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» بِصَلَاةِ أَصْحَابِهِ قِيَامًا خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ فِيهِمَا وَاحْتِيجَ إلَى نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَقِيلَ: النَّاقِلُ عَنْ الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُوَافِقِ لَهَا وَقِيلَ: الْمُحَرِّمُ وَالْمُوجِبُ أَوْلَى مِنْ الْمُبِيحِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا وَالْآخَرُ مُحَرِّمًا لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَوْ أَسْلَمَ الرَّاوِيَانِ كَخَالِدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَخَبَرُهُ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ تَحَمَّلَهُ الْآخَرُ فِي إسْلَامِهِ أَمْ فِي كُفْرِهِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا.
(كَكَوْنِهِ مَدَنِيًّا) أَيْ كَمَا يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَدَنِيُّ عَلَى الْخَبَرِ الْمَكِّيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَالْمَدَنِيَّ مَا وَرَدَ بَعْدَهَا فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَدَنِيُّ نَاسِخًا لِلْمَكِّيِّ بِلَا نِزَاعٍ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرْجِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي الْمَدِينَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَارِدِ فِي مَكَّةَ سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَكِّيَّاتِ وُرُودُهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْوَارِدُ مِنْهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ مُلْحَقٌ بِالْكَثِيرِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِأَنَّ هَذَا الْوَارِدَ فِي مَكَّةَ إنَّمَا وَرَدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَدَنِيِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا.
(وَشُهْرَةُ النَّسَبِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِشُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ عَلَى الْآخَرِ بِعَدَمِ شُهْرَةِ نَسَبِ رَاوِيهِ قَالَ الْآمِدِيُّ؛ لِأَنَّ احْتِرَازَ مَشْهُورِ النَّسَبِ عَمَّا يُوجِبُ نَقْصَ مَنْزِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَكُونُ أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute