للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ.

أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ عَمِلَ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ فَمَا رَوَاهُ حِينَئِذٍ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فَلَا يَقُومُ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ رُكْنِ التَّعَارُضِ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (أَوْ) كَانَ التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّ رَاوِيهِ (لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ) عَلَى مَا رَاوِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْسَلِينَ فَلِذَا قَالَ (عَلَى) قَوْلِ (مُجِيزِ الْمُرْسَلِ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ فَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَعَارُضَ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ فَلَا تَرْجِيحَ، ثُمَّ قَالَ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ مُجِيزِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ (مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نَفْيُ التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ أَمَّا مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَهُ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ التَّرْجِيحُ بِمَا بِهِ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِكُلِّ مُرَادٍ - (وَمِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ يَكُونُ رَاوِيهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ (عَلَى أَصَاغِرِهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَرْوِيِّ الَّذِي رَاوِيهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ إلَى الرَّسُولِ أَقْرَبُ غَالِبًا فَيَكُونُ بِحَالِهِ أَعْرَفَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ لِأَبِي حَنِيفَةَ تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا رَوَاهُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمْ (بِمَا إذَا رَجَحَ) مَا رَوَاهُ (فِقْهًا) بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ لَا بِفِقْهِهِ (إذْ قَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِرَأْسِ الْأَصَاغِرِ فِي الْهَدْمِ) أَيْ هَدْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ دُونَ الْأَكَابِرِ فِي عَدَمِ الْهَدْمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا عُمَرَ وَعَلِيًّا فُقَهَاءُ.

وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سِيقَ وَالْحَقُّ عَدَمُ الْهَدْمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَمَسْأَلَةٌ يُخَالِفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَعُوزُ فِقْهُهَا وَيَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا بَحَثَهُ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ: (فَلَا يَتَرَجَّحُ) خَبَرُ الْأَكْبَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَكْبَرُ (فِي الرِّوَايَةِ) عَلَى الْأَصْغَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَصْغَرُ إذَا تَعَارَضَا (بَعْدَ فِقْهِ الْأَصْغَرِ وَضَبْطِهِ إلَّا بِذَاكَ) أَيْ بِرُجْحَانِهِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ قُلْت وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَلَى الْأَصَاغِرِ هِيَ الْأَقْرَبِيَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْأَخْذِ بِمَا عَنْ الْأَكَابِرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى رَأْيِهِمْ فِيهِ عَدَمُ التَّرْجِيحِ لِمَا هُوَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِمْ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِيَّةِ مِنْهُ، ثُمَّ حَيْثُ تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَتِهِمْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصَاغِرِ مَا ذَكَرْنَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وبأقربيته) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِأَقْرَبِيَّةِ رِوَايَةٍ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْأَقْرَبِيَّةِ.

(وَبِهِ) أَيْ وَبِقُرْبِ السَّمَاعِ (رَجَّحَ الشَّافِعِيَّةُ الْإِفْرَادَ) بِالْحَجِّ عَلَى غَيْرِهِ (مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ نَاقَتِهِ) فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «وَإِنِّي كُنْت عِنْدَ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ» وَهُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِإِمَامِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخَذْت بِرِوَايَةِ جَابِرٍ لِتَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ عَائِشَةَ لِفَضْلِ حِفْظِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُزَنِيّ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ: (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ (وَوُجُوبِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْقُرْبِ الْمُرَجَّحِ عَلَى الْبُعْدِ (بِبُعْدِ الْآخَرِ بُعْدًا يَتَطَرَّقُ مَعَهُ الِاشْتِبَاهُ) أَيْ اشْتِبَاهُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْبَعِيدِ (لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَا أَثَرَ لِبُعْدِ شِبْرٍ لِقَرِيبَيْنِ) بِإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْآخَرِ بِمِقْدَارِ شِبْرٍ فِي تَفَاوُتِ سَمَاعِ كَلَامِهِ (ثُمَّ لِلْحَنَفِيَّةِ) التَّرْجِيحُ بِالْقُرْبِ أَيْضًا لِلْقِرَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (إذْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِزِمَامِهَا حِينَ أَهَلَّ بِهِمَا) أَيْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ «كُنْت آخُذُ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفِي وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» أَيْ تُجِرُّ مَا تَجْتَرُّهُ مِنْ الْعَلَفِ وَتُخْرِجُهُ إلَى الْفَمِ وَتَمْضُغُهُ، ثُمَّ تَبْلَعُهُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>