للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِيِّ السَّنَدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ ظَنِّيَّ السَّنَدِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ لِرُجْحَانِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ فَيَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِهِ وَلَا يُقَالُ: وَهَذَا أَيْضًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَضَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَةِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ حَقِيقَتَهَا لِتَعَالِي الشَّارِعِ عَنْهَا بَلْ صُورَتُهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَشْهُورُهَا) أَيْ يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ السُّنَّةِ (عَلَى الْآحَادِ) لِرُجْحَانِ الْمَشْهُورِ سَنَدًا عَلَى الْآحَادِ «كَالْيَمِينِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (عَلَى خَبَرِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) أَيْ الْقَضَاءُ بِهِمَا لِلْمُدَّعِي الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلَّائِمَةِ الثَّلَاثَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْفُرُوعِ (وَبِفِقْهِ الرَّاوِي) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ اجْتِهَادُهُ كَمَا هُوَ عُرْفُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (وَضَبْطِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي

(وَوَرَعِهِ) أَيْ تَقْوَاهُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالِاجْتِنَابُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ (وَشُهْرَتِهِ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (وَبِالرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رُجْحَانُهُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَإِنَّ شُهْرَتَهُ بِهِ تَكُونُ غَالِبًا لِرُجْحَانِهِ فِيهِ وَالْمَعْنَى كَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ رَاوِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الظَّنِّ فِيهِ أَقْوَى وَاحْتِمَالَ الْغَلَطِ فِيهِ أَوْهَى وَصَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ اعْتِيَادَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِمُرَجِّحٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا وَهُوَ حَسَنٌ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ التَّرْجِيحَ بِالْفِقْهِ بِالْخَبَرَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِذَا سَمِعَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَحَثَ عَنْهُ وَسَأَلَ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَى مَا يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَفْقَهَ مِنْ الْآخَرِ، وَبِقُوَّةِ حِفْظِهِ وَزِيَادَةِ ضَبْطِهِ وَشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا كَانَ أَقَلَّ فِي ذَلِكَ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قِيلَ وَبِعِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْ مَوَاقِعِ الزَّلَلِ فَيَكُونُ الْوُثُوقُ بِرِوَايَتِهِ أَكْثَرَ قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِهَا يَعْتَمِدُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا يُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَالْجَاهِلَ بِهَا يَكُونُ خَائِفًا فَيُبَالِغُ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَعْرَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ النَّظَرِ قِيلَ وَبِسُرْعَةِ حِفْظِ أَحَدِهِمَا وَإِبْطَاءِ نِسْيَانِهِ مَعَ سُرْعَةِ حِفْظِ الْآخَرِ وَسُرْعَةِ نِسْيَانِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (وَفِي) كَوْنِ (عُلُوِّ السَّنَدِ) أَيْ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ بَيْنَ الرَّاوِي لِلْمُجْتَهِدِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَجَّحًا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَلَّتْ الْوَسَائِطُ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَطَأِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ (خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ) كَمَا يُفِيدُهُ وَاقِعَةُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ خَرَّجَهَا الْحَافِظُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيِّ فِي تَخْرِيجِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ سُقْنَاهَا فِي حَلْبَةِ الْمُجَلِّي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى

(وَبِكَوْنِهَا) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ بِكَوْنِ إحْدَاهُمَا (عَنْ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّاوِي (لَا نُسْخَتِهِ) فَيُقَدَّمُ خَبَرُ الْمُعَوِّلِ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى خَبَرِ الْمُعَوِّلِ عَلَى كِتَابِهِ لِاحْتِمَالِهِ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ كِتَابَهُ الْمَصُونَ تَحْتَ يَدِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيهِ بَعِيدٌ بَلْ لَيْسَ هُوَ دُونَ احْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ عَلَى الْحَافِظِ وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِيهِ كَالْعَدَمِ (وَخَطِّهِ) أَيْ وَكَتَرْجِيحِ رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى خَطِّهِ (مَعَ تَذَكُّرِهِ) لِذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي رِوَايَتِهِ (عَلَى مُجَرَّدِ خَطِّهِ وَهَذَا) التَّرْجِيحُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ (عَلَى غَيْرِ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْخَطِّ بِلَا تَذَكُّرٍ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَارُضُ الَّذِي فَرَّعَهُ التَّرْجِيحُ (وَبِالْعِلْمِ) أَيْ وَكَالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْعِلْمِ (بِأَنَّهُ) أَيْ رَاوِيهِ (عَمِلَ بِمَا رَوَاهُ عَلَى قَسِيمَيْهِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَمِلَ بِهِ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَاَلَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْكَذِبِ قُلْت وَهَذَا فِي أَوَّلِهِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَمَلُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>