للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِلَيْهِمَا تَأَمُّلٌ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ -.

(وَمَا عَمِلَ بِهِ) الْخُلَفَاءُ (الرَّاشِدُونَ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُرَجَّحُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُتَابَعَتِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَكَوْنِهِمْ أَعْرَفَ بِالتَّنْزِيلِ وَمَوَاقِعِ الْوَحْيِ وَالتَّأْوِيلِ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ بَلْ ذَهَبَ أَبُو حَازِمٍ إلَى أَنَّ مَا اتَّفَقَتْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ.

(أَوْ عُلِّلَ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْعِلَّةِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لَهَا (لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذِكْرَ عِلَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْعِلَّةِ (لَا الْأَقْبَلِيَّةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ أَقْبَلُ لَهُ لِسُهُولَةِ فَهْمِهِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ، ثُمَّ عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: رُبَّمَا يُرَجَّحُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي قَبُولِهِ أَشَدُّ وَالثَّوَابَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ يُقَدَّمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى ارْتِبَاطِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ وَاعْتَرَضَهُ النَّقْشَوَانِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ نَفْسُ السَّامِعِ الْعِلَّةَ فَإِذَا سَمِعَتْهَا رَكَنَتْ إلَيْهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا وَالْوَصْفُ إذَا تَقَدَّمَ تَطْلُبُ النَّفْسُ الْحُكْمَ فَإِذَا سَمِعَتْهُ قَدْ تَكْتَفِي فِي عِلَّتِهِ بِالْوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] الْآيَةَ وَقَدْ لَا تَكْتَفِي بِهِ بَلْ تَطْلُبُ عِلَّةً غَيْرَهُ كَمَا فِي {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] الْآيَةَ فَيُقَالُ تَعْظِيمًا لِلْمَعْبُودِ قُلْت إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُفِيدَةُ لِتَقْدِيمِ مَا ذُكِرَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ عَلَى مَا لَمْ تُذْكَرْ إظْهَارًا لِلِاعْتِنَاءِ بِمَا ذُكِرَتْ فِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا أُخِّرَتْ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى مَا قُدِّمَتْ فِيهِ، وَالِارْتِبَاطُ بِالْعِلَّةِ مَوْجُودٌ فِي كِلَيْهِمَا وَالرُّكُونُ إلَيْهَا وَعَدَمُ الرُّكُونِ إلَيْهَا مَعَ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي كِلَيْهِمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ التَّرْتِيبُ الطَّبِيعِيُّ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ مَوْجُودٌ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ لَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ تَرْجِيحًا لَهُ عَلَى مَا ذُكِرَتْ فِيهِ بَعْدَ الْمَعْلُولِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يُخَالُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ الِاهْتِمَامِ مَا لَيْسَ فِي عَكْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(كَمَا) يَتَرَجَّحُ مَا (ذُكِرَ مَعَهُ السَّبَبُ) عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ أَيْ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَامِّ الْمُطْلَقِ عَنْهُ إذَا تَعَارَضَا فِي صُورَةِ السَّبَبِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ إذْ السَّبَبُ هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَكَانَتْ دَلَالَتُهُ فِيهَا شَدِيدَةَ الْقُوَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَخْصِيصُهَا وَأَمَّا فِيمَا عَدَا صُورَةِ السَّبَبِ فَيَتَرَجَّحُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ عَنْهُ عَلَى الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ لِقِيَامِ احْتِمَالِ كَوْنِ ذِي السَّبَبِ خَاصًّا بِمَوْرِدِهِ إذْ الْأَصْلُ مُطَابَقَتُهُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ قَالَ السُّبْكِيُّ فَمَنْ قَالَ إنَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ رَاجِحٌ أَرَادَ فِي صُورَةِ السَّبَبِ وَمَنْ قَالَ إنَّ عَكْسَهُ رَاجِحٌ أَرَادَ فِيمَا عَدَاهَا وَلَا يُتَّجَهُ خِلَافٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

(وَفِي السَّنَدِ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمَتْنِ بِاعْتِبَارِ حِكَايَةِ طَرِيقِهِ (كَالْكِتَابِ) أَيْ كَتَرْجِيحِهِ (عَلَى السُّنَّةِ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ، قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا السُّنَّةُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزَاعِمَيْهِمَا أَيْ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ عَلَيْهَا مُسْتَنِدًا لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتَقْدِيمُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] ، ثُمَّ قَالَ: الْأَصَحُّ تَسَاوِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهَا وَقِيلَ تُقَدَّمُ السُّنَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ أُصُولُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنْ السُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ السَّنَدِ تَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْقَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يَجْرِي لُزُومُ فِيهِمَا مُجْمَلَيْنِ، وَإِنْ عُلِمَ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ وَالظَّنِّيُّ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً بَلْ بِمَا يُسَوِّغُ تَرْجِيحَهُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا جُمِعَ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَسَاقَطَا.

وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا نَسَخَ

<<  <  ج: ص:  >  >>