للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِيمَانِهِ أَيْ كَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَدَّلَ بِالْآخَرِ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّانِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى الْمُعَظَّمِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ إنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا جَازَ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا (بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا يَتَبَدَّلُ قَطْعًا لِعَدَمِ إمْكَانِ احْتِمَالِهِ لِلتَّبْدِيلِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ فَإِنَّ اتِّصَافَ الْعَالَمِ بِالْحُدُوثِ لَا يَتَبَدَّلُ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْقِدَمُ قَطْعًا هَذَا (وَلَازِمُ تَرَاخِي الْمُخَصَّصِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ) كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (غَيْرُ لَازِمٍ هُنَا) أَيْ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْإِخْبَارِ لِمَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ (بَلْ غَايَتُهُ) أَيْ جَوَازِ نَسْخِ هَذَا أَنَّهُ يَلْزَمُ (اعْتِقَادُ أَنَّهُ) أَيْ حُكْمَ الْإِخْبَارِ (لَا يُرْفَعُ) فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ غَيْبٌ لَا يُوقِفُ عَنْ الْعَمَلِ

(وَهُوَ) اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (غَيْرُ ضَائِرٍ) فِي الْعَمَلِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَلَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فِي الِاسْتِقْبَالِ إذَا ظَهَرَ الرَّافِعُ لَهُ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِقْبَالِ (فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِنَسْخِ الْحُكْمِ الْإِنْشَائِيِّ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (كَصُمْ غَدًا ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ جَوَازَ نَسْخِهِ (اتِّفَاقٌ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ الْتِزَامًا فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ غَدًا قَبْلَ مَجِيئِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ صُمْ أَبَدًا عُسْرٌ.

(وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ عَضُدُ الدِّينِ (لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ مُقَيَّدٍ بِالْأَبَدِ وَعَدَمِ أَبَدِيَّةِ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَبَدِيًّا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ إيجَابُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الدَّوَامِ إنَّمَا يُنَاقِضُهُ عَدَمُ إيجَابِ الدَّوَامِ لَا عَدَمُ دَوَامِ الْإِيجَابِ (بَعْدَ مَا قَرَّرَ) هَذَا الْقَائِلُ (فِي النِّزَاعِ مِنْ أَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ (عَلَى جَعْلِهِ) أَيْ التَّأْبِيدِ (قَيْدًا لِلْحُكْمِ مَعْنَاهُ بِالنَّسْخِ يَظْهَرُ خِلَافُهُ) أَيْ أَنَّ التَّأْبِيدَ لَيْسَ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (وَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا (أَنْ لَا يَجْعَلَ) مَا التَّأْبِيدُ فِيهِ قَيْدًا لِلْحُكْمِ (النِّزَاعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ) الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ (بَلْ هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (مَا) أَيْ التَّأْبِيدُ الَّذِي (هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ الْحُكْمِ) لَا الَّذِي هُوَ نَصٌّ فِيهِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّزَاعُ فِيمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ بَلْ فِيمَا هُوَ نَصٌّ فِيهِ (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ (عَلَى خِلَافِ الْمَفْرُوضِ) وَهُوَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (وَحِينَئِذٍ فَقَدْ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ) لِنَسْخِهِ بَلْ وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ نَسْخُ مِثْلِ صُومُوا أَبَدًا يَجُوزُ نَسْخُ وَاجِبٍ مُسْتَمِرًّا أَبَدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا غَيْرَ أَنَّ عَضُدَ الدِّينِ الْقَائِلِ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ فِعْلٍ إلَخْ لَمْ يَجْعَلْ النِّزَاعَ فِي الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ بَلْ فِي الْفِعْلِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ الْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِالتَّأْبِيدِ إنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا فِي الْفِعْلِ مِثْلُ صُومُوا أَبَدًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَبَيَانًا لِمُدَّةِ بَقَاءِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَإِنْ كَانَ نَصًّا مِثْلَ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا لَمْ يُقْبَلْ خِلَافُهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ انْتَهَى.

نَعَمْ أُورِدَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ إلَى كَوْنِهِ قَيْدًا لِلْفِعْلِ وَقَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْإِيجَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ الْمُشْتَمِلُ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يُفِيدُ تَأْبِيدَ الْوَاجِبِ أَوْ الْوُجُوبِ هَذَا وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَا طَائِلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَحْكَامِ حُكْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ التَّوْقِيتِ قَدْ نُسِخَ شَرْعِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ لَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ]

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ (الْجُمْهُورُ لَا يَجْرِي) النَّسْخُ (فِي الْأَخْبَارِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَاضِيَةً أَوْ مُسْتَقْبَلَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ النَّسْخَ فِيهَا هُوَ (الْكَذِبُ) وَالشَّارِعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَجْرِي فِي وَاجِبَاتِ الْعُقُولِ بَلْ فِي جَائِزَاتِهَا وَتَحَقُّقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>