كَذَلِكَ هُنَا (وَعَلَى) رَأْيٍ (آخَرَ) فِيهِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَسُوقُ لِمُرَادٍ ظَاهِرٍ مِنْهُ لَيْسَ بِمَدْلُولٍ وَضْعِيٍّ لَهُ كَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] كَمَا هُوَ قَوْلُ مُتَأَخِّرِيهِمْ يَكُونُ عَدَمُ جَوَازِ النَّسْخِ فِي هَذَا (لِلتَّأْكِيدِ) فَإِنَّ الْأَبَدَ الِاسْتِمْرَارُ الدَّائِمُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَسُوقًا لَهُ هُنَا فَهُوَ مَدْلُولٌ وَضْعِيٌّ لَهُ وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ تَحْقِيقِ الِاصْطِلَاحِ) فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الدَّلَالَةِ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَمْنَعُ كُلٌّ مِنْ النُّصُوصِيَّةِ وَالتَّأْكِيدِ جَوَازَ النَّسْخِ وَكَيْفَ يَمْنَعُ، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَضْلًا عَنْ النَّسْخِ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَالتَّأْكِيدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَمْنَعُ احْتِمَالَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ النَّسْخِ أَيْضًا.
وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ احْتِمَالَهُ فَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي وَجْهٍ مَنَعَ جَوَازَ نَسْخِ هَذَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُفِيدُ الْحُكْمَ دَائِمًا، وَالنَّسْخُ يُفِيدُ عَدَمَ دَوَامِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، ثُمَّ هُوَ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ مُوَافِقٌ لِلْبَدِيعِ لَكِنْ فِي شَرْحِهِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ نَسْخِهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ هَذَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ إذَا قَالَهُ إنْشَاءً يَجُوزُ نَسْخُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ (وَاخْتُلِفَ فِي) حُكْمِ (ذِي مُجَرَّدَ تَأْبِيدٍ قَيْدًا لِلْحُكْمِ) كَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِنَّ أَبَدًا نَصٌّ فِي ظَرْفِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ لَا لِلصَّوْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ (لَا الْفِعْلَ كَصُومُوا أَبَدًا) فَإِنَّ أَبَدًا ظَرْفٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُخَاطَبِينَ لَا لِإِيجَابِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِمَادَّتِهِ لَا بِهَيْئَتِهِ وَدَلَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْهَيْئَةِ لَا بِالْمَادَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا سَالِفًا، ثُمَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا إمَّا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِهِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ نَسْخِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ (أَوْ) فِي حُكْمِ ذِي مُجَرَّدَ (تَأْقِيتٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ كَحُرْمَتِهِ عَامًّا) حَالَ كَوْنِ حُرْمَتِهِ (إنْشَاءً فَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ (يَجُوزُ) نَسْخُهُ.
(وَطَائِفَةٌ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي مَنْصُورٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيِّ) وَأَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ (يَمْتَنِعُ) نَسْخُهُ (لِلُزُومِ الْكَذِبِ) فِي الْأَوَّلِ لِلتَّنَاقُضِ (أَوْ الْبَدَاءِ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ عَلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ (وَهُوَ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ هُوَ (الْمَانِعُ) مِنْ النَّسْخِ (فِي الْمُتَّفَقِ) عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ مِنْ نَحْوِ مُسْتَمِرٍّ أَبَدًا فَكَذَا يَكُونُ مَانِعًا فِي هَذَا الْمُخْتَلِفِ فِي جَوَازِ نَسْخِهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ لِلنَّسْخِ فِي الْأَوَّلِ أَبَدًا (ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ) الْمُسْتَقْبَلَةِ (فَجَازَ تَخْصِيصُهُ) بِوَقْتٍ مِنْهَا دُونَ وَقْتٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الظَّوَاهِرِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَعْيَانِ (قُلْنَا نَعَمْ) يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ (إذَا اقْتَرَنَ) الْمَخْصُوصُ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ (فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ اقْتِرَانِهِ بِدَلِيلِ التَّخْصِيصِ (بِأَنَّهُ) أَيْ التَّأْبِيدَ فِي الْمُخْتَلِفِ فِيهِ (مُبَالَغَةٌ) فِي إرَادَةِ الزَّمَنِ الطَّوِيلِ مَجَازًا إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِمْرَارُ وَالدَّوَامُ الْمُفِيدُ لِاسْتِغْرَاقِ الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا (أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُهُ (الثَّابِتُ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (فَذَلِكَ اللَّازِمُ) أَيْ فَإِرَادَةُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَعْضِ يَلْزَمُهُ لُزُومُ الْكَذِبِ (وَحَاصِلُهُ حِينَئِذٍ) أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ (يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي دَلِيلِ التَّخْصِيصِ) لِلْعَامِّ الْمَخْصُوصِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ (وَالْحَقُّ أَنَّ لُزُومَ الْكَذِبِ) إنَّمَا هُوَ (فِي الْإِخْبَارِ الْمُفِيدِ لِلتَّأْبِيدِ كَمَاضٍ) أَيْ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي التَّقْسِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْبِيدِ الْحُكْمِ تَأْبِيدُهُ مَا دَامَتْ دَارُ التَّكْلِيفِ فَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَأْبِيدٌ لَا تَأْقِيتٌ قُلْت غَيْرَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ مَنْعُ النَّسْخَ فِي نَحْوِ هَذَا الْأَجَلِ لُزُومُ الْكَذِبِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فَهُوَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّأْبِيدِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَيَّدُ بِالتَّأْبِيدِ وَعَدَمُهُ (فَلِذَا) أَيْ لُزُومِ الْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيرِ نَسْخِهِ.
(اتَّفَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِهِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْخِلَافُ) إنَّمَا هُوَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْخَبَرِ الْمُقَيَّدِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَرْعِيٍّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِالتَّأْبِيدِ إذَا كَانَ (مِمَّا يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ كَكُفْرِ زَيْدٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute