للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونُ أَجَلًا لِكُلٍّ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُنَقِّصُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا: أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَالِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا ذُكِرَ هَذَا دَلِيلًا لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ وَنِصْفُ سَنَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَكَدَلَالَةِ) مَا يُعْزَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (تَمْكُثُ) إحْدَاهُنَّ (شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي) جَوَابًا لِقَائِلٍ وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ لَمَّا قَالَ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ (عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّطْرِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ بَيَانُ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَأَمَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قُصِدَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَالْمُبَالَغَةُ تَقْتَضِي ذِكْرَ أَكْثَرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ فَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَ زَمَانُ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ زَمَانُ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْمُبَالَغَةِ ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ (لَوْ تَمَّ) كَوْنُ الْمُرَادِ بِالشَّطْرِ هُنَا النِّصْفَ (لَكِنْ الْقَطْعُ بِعَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ النِّصْفِ بِهِ) أَيْ بِالشَّطْرِ هُنَا (لِأَنَّ أَيَّامَ الْإِيَاسِ وَالْحَبَلِ وَالصِّغَرِ مِنْ الْعُمُرِ، وَمُعْتَادَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَكَادُ تُوجَدُ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعُمُومِ بِوُجُودِهِ فِي فَرْدٍ نَادِرٍ، وَاسْتِعْمَالُ الشَّطْرِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الشَّيْءِ) أَيْ بَعْضٍ مِنْهُ (شَائِعٌ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] وَمَكَثْت شَطْرًا مِنْ الدَّهْرِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ) أَيْ بَعْضِ الْعُمْرِ هُوَ (الْمُرَادَ بِهِ) أَيْ بِشَطْرِ عُمْرِهَا هُنَا تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ، وَفِي تَقْرِيرِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ مَا يُوَافِقُهُ ثُمَّ هَذَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَا يُعْرَفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ثُمَّ النَّوَوِيُّ مَعَ زِيَادَةِ بَاطِلٍ بِخِلَافِ دَلِيلِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

(تَنْبِيهٌ) ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ جَعَلُوا مَا سَمَّاهُ مَشَايِخُنَا عِبَارَةً وَإِشَارَةً وَاقْتِضَاءً مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَجْعَلْ الْمَنْطُوقَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ، وَلَا مِنْ الْمَفْهُومِ بَلْ قَسِيمًا لَهُمَا وَالْبَيْضَاوِيُّ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ جُنُوحٍ إلَيْهِ

[أَقْسَام الْمَفْهُومُ]

(وَالْمَفْهُومُ) يَنْقَسِمُ (إلَى مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ) أَيْ مَعْنَاهُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (وَلَحْنُهُ) وَهُوَ مَعْنَاهُ أَيْضًا يُسَمَّى تَنْبِيهَ الْخِطَابِ أَيْضًا وَهُوَ (مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ النَّصِّ (إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (مَنْ شَرَطَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ) مِنْ الْمَنْطُوقِ فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى مَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحُو كَلَامِهِ وَعَزَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا وَجْهَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّرْطِ (إذْ بَعْدَ فَرْضِ فَهْمِ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (لِلْمَسْكُوتِ كَذَلِكَ) أَيْ كَفَهْمِ ثُبُوتِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ (وَلَا وَجْهَ لِإِهْدَارِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ) نَعَمْ إنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا مِنْهُمْ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ كَمَا اصْطَلَحَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَعَلَى مَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ بِلَحْنِ الْخِطَابِ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَكَالْأُولَى اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَعِبَارَتُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الشَّارِطِينَ لِمَا سَيَظْهَرُ وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُنْتَهَى

(تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى) مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَلْبُهُ) أَيْ وَبِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى (مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ اسْتَوْدَعَهُ قُرَشِيٌّ أَلْفًا وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ ذَهَبًا فَأَدَّاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اُؤْتُمِنَ عَلَى دِينَارٍ مَثَلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>