للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤَدِّهِ إلَى الْمُؤْتَمِنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ مُؤَدِّيَ الْكَثِيرِ مُؤَدِّي الْقَلِيلِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَقَدْ يَكْتَفِي بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ (عَلَى أَنْ يُرَادَ) بِالْأَدْنَى (الْأَدْنَى مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ) الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَبِالْأَعْلَى الْأَكْثَرُ مُنَاسَبَةً لَهُ فَالْحُكْمُ فِي مَنْعِ التَّأْفِيفِ الْإِكْرَامُ وَالتَّأْفِيفُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِهِ مِنْ الضَّرْبِ، وَفِي أَدَاءِ الْقِنْطَارِ الْأَمَانَةُ.

وَفِي عَدَمِ أَدَاءِ الدِّينَارِ عَدَمُ الْأَمَانَةِ (فَالْقِنْطَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِالتَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِعَدَمِهَا مِنْهُ) أَيْ بِعَدَمِ التَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ فَشَمِلَ تَنْبِيهُهُ بِالْأَدْنَى جَمِيعَ الصُّوَرِ وَهَذَا تَدْقِيقٌ لَحَظَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْعَلَّامَةِ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّنْبِيهَ بِالْأَعْلَى اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ (وَلِاعْتِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُسَاوِيَ) أَيْ وَلِكَوْنِ الشَّرْطِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ مُسَاوَاةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ (أَثْبَتُوا الْكَفَّارَةَ) كَمَا عَلَى الْمُظَاهِرِ عَلَى الصَّائِمِ (بَعْدَ الْأَكْلِ) أَوْ الشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ وَلَا شُبْهَةٍ مُلْحَقَةٍ بِهِ (كَالْجِمَاعِ) أَيْ كَمَا أَوْجَبَهَا النَّصُّ بِالْجِمَاعِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ (لِتَبَادُرِ أَنَّهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْجِمَاعِ الْعَمْدِ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ مُسْقِطٍ لَهَا (لِتَفْوِيتِ الرُّكْنِ اعْتِدَاءً) أَيْ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُنَاطَ بِهِ فِي النَّصِّ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ الَّتِي مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا أَكْثَرُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّوْمِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِالْإِخْلَالِ بِرُكْنِهِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ.

فَإِنَّ هَذَا كَمَا يُوجَدُ بِالْجِمَاعِ يُوجَدُ بِهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا هُوَ مُتَبَادَرٌ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ عَرَفَ مَعْنَى الصَّوْمِ شَرْعًا، وَسَمِعَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ لَا الْوِقَاعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّائِلُ فِي النَّصِّ وَمِنْ ثَمَّةَ أَثْبَتْنَا بَقَاءَ الصَّوْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَاسِيًا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَنَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَاضٍ بِتَسَاوِي الْكَفِّ عَنْ الْجَمِيعِ فِي الرُّكْنِيَّةِ شِدَّةً وَأَشَدِّيَّةً لَا بِأَشَدِّيَّةِ رُكْنِيَّةِ الْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ هِيَ الشَّرْطُ وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَطْلُوبِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ مَعَ التَّأَمُّلِ وَالْإِنْصَافِ (وَلَمَّا انْقَسَمَ) مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ (إلَى قَطْعِيٍّ) وَهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ قَطْعِيَّيْنِ (كَمَا سَبَقَ) فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] لِفَهْمِ كُلِّ عَارِفٍ بِاللُّغَةِ قَطْعًا أَنَّ حُرْمَةَ التَّأْفِيفِ مُعَلَّلَةٌ بِإِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمَا، وَأَنَّ حُرْمَةَ الضَّرْبِ أَنْسَبُ فِي ذَلِكَ مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ (وَظَنِّيٍّ) هُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ ظَنِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا (كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ) الَّتِي هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فِي) الْقَتْلِ (الْخَطَأِ) لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ رَمَى شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ (وَغَيْرِ الْغَمُوسِ) أَيْ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ الَّتِي هِيَ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ الشَّخْصُ أَهْلَهُ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْتَطِيعِ وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى الْحَانِثِ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ.

(فَفِيهِمَا) أَيْ فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ حَالٍّ أَوْ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ (أَوْلَى) مِنْ وُجُوبِ الْأُولَى فِي الْخَطَأِ وَالثَّانِيَةِ فِي الْمُنْعَقِدَةِ (لِفَهْمِ الْمُتَعَلَّقِ) أَيْ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِيهِمَا (بِالزَّجْرِ) عَنْ ارْتِكَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاحْتِيَاجُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعِدْوَانِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إلَى الزَّاجِرِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ الْخَطَأِ وَالْمُنْعَقِدَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ ظَنِّيٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُوَافِقْهُ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بَلْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمَنَاطَ لَهَا فِيهِمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>