للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: ٣٧] الْآيَة وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً إلَّا عِنْدَ شِرْذِمَةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ.

وَأَمَّا تَعْمِيمُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَخْلُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ مِنْ غَرَضٍ فَمَحَلُّ بَحْثٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْأَقْرَبُ) إلَى تَحْقِيقِ الْعُقَلَاءِ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْنَى الْغَرَضِ) فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْفَاعِلِ قَالَ لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ وَمَرِيدُ هَذَا بِالْغَرَضِ لَا يُخَالِفُهُ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ التَّكْلِيفِيَّةِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنْ نَحَارِيرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَبَحِّرِينَ وَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْفَائِدَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْعِبَادِ قَالَ إنَّ أَفْعَالَهُ وَأَحْكَامَهُ تُعَلَّلُ بِهَا وَمُرِيدُ هَذَا أَنْ لَا يَظُنّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُقَلَاءِ لَا يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ الْوَاقِعِ كَذَلِكَ وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَقُولُ الْمُنَاسَبَةُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (أَوْ) أَنَّهُ (غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ الْحُكْمِ بِالْفِعْلِ فَاذْكُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ (مِنْ أَنَّهُ) عَزَّ وَجَلَّ (غَيْرُ مُخْتَارٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَدِيمًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ كَيْفَ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا (بِخِلَافِ الْفِعْلِ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِيهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ بِالْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْفِعْلِ (غَيْرَ أَنَّ اتِّصَافَهُ) أَيْ الْبَارِئِ تَعَالَى (بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنْ الْكَمَالَاتِ مُوجِبٌ لِمُوَافَقَةِ حُكْمِهِ لِلْحِكْمَةِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلْحِكْمَةِ فَعَلَى هَذَا الْكُلُّ وَاقِعٌ لِلْحِكْمَةِ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاشْتِبَاهِ فَإِذَنْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَإِذْ لَزِمَ فِيهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (الْمُنَاسَبَةُ بَطَلَتْ الطَّرْدِيَّةُ) أَيْ كَوْنُهَا غَيْرَ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ وَلَا شَبِيهٍ بِهِ بَلْ هِيَ مَحْضُ كَوْنِهَا مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ (لِأَنَّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ) لِلْحُكْمِ (حُكْمٌ) خَبَرِيٌّ (نَظَرِيٌّ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ) تَعَالَى (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَصْفِ (وَهِيَ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا قَوْلٌ (بِلَا دَلِيلٍ فَبَطَلَتْ وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ (لِلدُّورِ لِأَنَّهَا) أَيْ الطَّرْدِيَّةَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهَا طَرْدِيَّةً (أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا تَعْرِيفُ الْحُكْمِ) لِلْأَصْلِ (فَتَوَقَّفَ) الْحُكْمُ عَلَيْهَا (وَكَوْنُهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْهُ) أَيْ الْحُكْمِ (يُوجِبُ تَوَقُّفَهَا عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُعَرِّفَ لِحُكْمِ الْأَصْلِ النَّصُّ وَهِيَ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ مُعَرِّفَةً (أَفْرَادَ الْأَصْلِ فَيُعْرَفُ حُكْمُهَا) أَيْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ) أَيْ عِرْفَانِ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (مَثَلًا مُعَرِّفُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ النَّصُّ وَالْإِسْكَارُ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ حُرْمَتِهِ (يُعْرَفُ) الْجُزْئِيُّ (الْمُشَاهَدُ أَنَّهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (فَيُعْرَفُ حُرْمَتُهُ) أَيْ الْأَصْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُشَاهَدِ (فَلَا دَوْرَ ثُمَّ لَيْسَ) تَعْرِيفُهَا لِأَفْرَادِ الْأَصْلِ أَمْرًا (كُلِّيًّا بَلْ) إنَّمَا هُوَ (فِيمَا) أَيْ أَصْلٍ (لَهُ لَازِمٌ ظَاهِرٌ خَاصٌّ كَرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ أَنْ لَمْ يُشْرِكْهَا) أَيْ الْخَمْرَ (فِيهَا) أَيْ الرَّائِحَةِ (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الْخَمْرِ (وَإِلَّا فَتَعْرِيفُ الْإِسْكَارِ بِنَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِشُرْبِ الْمُشَاهَدِ) لِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالشُّرْبُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ فَتَتَوَقَّفُ حُرْمَتُهُ عَلَى شُرْبِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَوَقُّفُهَا عَلَيْهِ (بَاطِلٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَكَوْنُهُ الْإِسْكَارَ طَرْدًا) إنَّمَا هُوَ (عَلَى) قَوْلِ (الْحَنَفِيَّةِ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ لِعَيْنِهَا (وَعَلَى) قَوْلِهِ (غَيْرُهُمْ هُوَ) أَيْ كَوْنُ الْإِسْكَارِ طَرْدًا (مِثَالٌ) لِذَلِكَ.

[الْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا]

[الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةُ]

(وَالْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا) أَيْ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُعْتَبَرٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ عِلَّةٌ (فِي مَرَاصِدَ) ثَلَاثَةٍ (الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ) فِي تَقْسِيمِهَا (تَنْقَسِمُ) الْعِلَّةُ (بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ وَ) بِحَسْبِ (الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَقَاصِدِ (وَ) بِحَسْبِ (اعْتِبَارِ الشَّارِعِ) لَهَا عِلَّةً (فَالْأَوَّلُ) أَيْ انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامُ (بِالذَّاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامَ لَهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ انْقِسَامُهَا (وَهِيَ) أَيْ الْمَقَاصِدُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ (ضَرُورِيَّةً) وَهِيَ مَا انْتَهَتْ الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ ثُمَّ (لَمْ تُهْدَرْ فِي مِلَّةٍ) مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ رُوعِيَتْ فِيهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي نِظَامُ الْعَالَمِ مُرْتَبِطٌ بِهَا وَلَا يَبْقَى النَّوْعُ مُسْتَقِيمَ الْأَحْوَالِ بِدُونِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ (حِفْظُ الدِّينِ بِوُجُوبِ الْجِهَادِ وَعُقُوبَةِ الدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ) وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٢٩] الْآيَة

<<  <  ج: ص:  >  >>