للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إذَا كَانَ يَهْذِي سُمِّيَ سَكْرَانًا وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا سَكِرَ هَذَى رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ إذْ لَوْ مَيَّزَ) بَيْنَهَا (فَفِيهِ) أَيْ سُكْرِهِ (نُقْصَانٌ وَهُوَ) أَيْ نُقْصَانُهُ (شُبْهَةُ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ السُّكْرِ وَهُوَ الصَّحْوُ (فَيَنْدَرِئُ) الْحَدُّ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا النُّقْصَانِ (وَأَمَّا) حَدُّ السُّكْرِ عِنْدَهُ (فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْده أَيْضًا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ اخْتِلَاطِ الْكَلَامِ (وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ) الْحَدَّ عِنْدَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ. وَالْحَدُّ إنَّمَا أُنِيطَ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَ حَدَّ السُّكْرِ بِمَا يُسَمَّى سُكْرًا لَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي ذَكَرَ قَلَّمَا يَصِلُ إلَيْهَا سَكْرَانُ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِلَاطَ الْكَلَامِ أَوْ عَدَمَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ نَفْسُ السُّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مَعْنَى يُزِيلُ الْعَقْلَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُزِيلٍ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ السُّكْرُ جُنُونًا وَقِيلَ غَفْلَةً تَعْرِضُ لِغَلَبَةِ السُّرُورِ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُهَا قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ فَتَخْرُجُ الْغَفْلَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ السُّرُورَ كَاَلَّتِي مِنْ شُرْبِ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْجُنُونِ لَا مِنْ السُّكْرِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي الشَّرْعِ أُلْحِقَتْ بِهِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ، وَهِيَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ الْمُمَيِّزُ إلَخْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ.

[الْهَزْلُ مِنْ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ]

(وَمِنْهَا) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ (الْهَزْلُ) وَهُوَ لُغَةً اللَّعِبُ وَاصْطِلَاحًا (أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ) لِلَّفْظِ بَلْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُمَا وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْهُ (ضِدُّهُ الْجِدُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ لَهُ (وَمَا يَقَعُ) الْهَزْلُ (فِيهِ) مِنْ الْأَقْسَامِ (إنْشَاءَاتٌ فَرِضَاهُ) أَيْ الْهَازِلِ (بِالْمُبَاشَرَةِ) أَيْ بِالتَّكَلُّمِ بِصِيَغِهَا (لَا بِحُكْمِهَا) أَيْ لَا بِثُبُوتِ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهُ (أَوْ إخْبَارَاتٌ أَوْ اعْتِقَادَاتٌ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ الْهَزْلُ فِيهِ إنْ كَانَ إحْدَاثَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْشَاءٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ إلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِخْبَارٌ وَإِلَّا فَاعْتِقَادٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْإِنْشَاءُ (إحْدَاثُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَيْ) إحْدَاثُ (تَعَلُّقِهِ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ قَدِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْهَزْلُ فِيهِ إمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَإِمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ (فَإِمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ الْفَسْخَ وَالْإِقَالَةَ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي أَصْلِهِ) أَيْ تَجْرِي الْمُوَاضَعَةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ (عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ الْعَقْدِ (غَيْرَ مُرِيدِينَ حُكْمَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (أَوْ) يَتَوَاضَعَا (عَلَى قَدْرِ الْعِوَضِ أَوْ) يَتَوَاضَعَا عَلَى (جِنْسِهِ) أَيْ الْعِوَضِ (فَفِي الْأَوَّلِ) أَيْ تَوَاضُعِهِمَا فِي أَصْلِهِ (إنْ اتَّفَقَا بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (عَلَى الْإِعْرَاضِ عِنْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ (إلَى الْجِدِّ) بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ وَبِعْنَا بِطَرِيقِ الْجِدِّ (لَزِمَ الْبَيْعُ) وَبَطَلَ الْهَزْلُ بِقَصْدِهِمَا الْجِدَّ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ يَقْبَلُ الرَّفْعَ بِالْإِقَالَةِ فَهَذَا أَوْلَى فَهَذِهِ أُولَى صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) اتَّفَقَا (عَلَى الْبِنَاءِ) لِلْعَقْدِ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّوَاضُعِ (فَكَشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ صَارَ الْعَقْدُ كَالْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ (لَهُمَا) أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ (مُؤَبَّدًا إذَا رَضِيَا) فِيهِ (بِالْمُبَاشَرَةِ فَقَطْ) أَيْ لَا بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ أَيْضًا كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (فَيَفْسُدُ) الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْمَبِيعَ فِيهِ (بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ لَوْ قَالَ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ عَنْ الْمِلْكِ لَا عَدَمِ الرِّضَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>