كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا إذْ الِاخْتِيَارُ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ وَالرِّضَا إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَمِنْ هُنَا قَالُوا الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَا حَيْثُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ (فَإِنْ نَقَضَهُ) أَيْ الْعَقْدَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ (انْتَقَضَ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّقْضُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ (لَا إنْ أَجَازَهُ) أَيْ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَارَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا فَإِجَازَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُبْطِلُ اخْتِيَارَ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَجَازَاهُ) أَيْ الْعَاقِدَانِ الْعَقْدَ (جَازَ بِقَيْدِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ إجَازَتُهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ لَا فِيمَا بَعْدَهَا لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِمُضِيِّهَا (وَمُطْلَقًا) أَيْ وَجَازَ إذَا أَجَازَاهُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدُ عِنْدَهُمَا فَهَذِهِ ثَانِيَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) اتَّفَقَا عَلَى (إنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ بِخَاطِرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ (شَيْءٌ) أَيْ لَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَهَذِهِ ثَالِثَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ) عَنْ الْمُوَاضَعَةِ (وَالْبِنَاءِ) عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ.
وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ أَعْرَضْنَا عَنْهَا بِالْجِدِّ وَهَذِهِ رَابِعَةٌ وَالْحُكْمُ فِيهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ (صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا (عَمَلًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ حَتَّى يَقُومَ الْمُعَارِضُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمِلْكِ وَالْجِدُّ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِيهِ (أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا عَارِضٌ لَمْ تُنَوِّرْ دَعْوَى مُدَّعِيهَا بِالْبَيَانِ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا (عِنْدَهُمَا لِعَادَةِ الْبِنَاءِ) أَيْ لِاعْتِيَادِ بِنَائِهِمَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ (وَكَيْ لَا تَلْغُوَ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ) أَيْ يَكُونُ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَبَثًا (وَالْمَقْصُودُ) مِنْهَا (وَهُوَ صَوْنُ الْمَالِ عَنْ الْمُتَغَلِّبِ فَهُوَ) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ (الظَّاهِرُ وَدُفِعَ بِأَنَّ) الْعَقْدَ (الْآخَرَ) وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ (نَاسِخٌ) لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ لِخُلُوِّهِ عَنْهَا مَعَ أَنَّ عَقْلَ الْعَاقِدَيْنِ وَدِينَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْفَسَادِ كَمَا فِي صُوَرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْهَزْلِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِمَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (وَقَدْ يُقَالُ هُوَ) أَيْ كَوْنُ الْآخَرِ نَاسِخًا لِلْمُوَاضَعَةِ (فَرْعُ الرِّضَا) بِهِ (إذْ مُجَرَّدُ صُورَةِ الْعَقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ رَفْعَ مَا سَبَقَ (إلَّا بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الرِّضَا بِهِ (وَفُرِضَ عَدَمُ إرَادَةِ شَيْءٍ) فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (فَيُصْرَفُ) الْعَقْدُ (إلَى مُوَافَقَةِ) التَّوَاضُعِ (الْأَوَّلِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا) فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ (أَعْرَضَ لَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ.
(إذْ لَا يَقُومُ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْرَضْت) عِنْدَ الْعَقْدِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ (وَالْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ) وَهَذِهِ صُورَةٌ خَامِسَةٌ (أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي) شَيْءٌ وَهَذِهِ صُورَةٌ سَادِسَةٌ (فَعَلَى أَصْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ (عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ) عَمَلًا بِالْعَقْدِ فَيَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَهُمَا) يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنْ يَكُونَا قَائِلِينَ بِأَنَّهُ (كَالْبِنَاءِ) تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ وَالسَّبْقِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ اهـ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ جِهَةُ الصِّحَّةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَى أَصْلِهِ لِاجْتِمَاعِ الْمُصَحِّحِ وَالْمُفْسِدِ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُفْسِدِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَمَسُّكَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ وَهُمَا) أَيْ تَمَسُّكُهُمَا (بِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاضِ أَوْ الْبِنَاءِ وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِاخْتِلَافِ بِأَنْ يُقِرَّا بِإِعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَبِنَاءِ الْآخَرِ فَلَا قَائِلَ بِالصِّحَّةِ) بَلْ الِاتِّفَاقُ حِينَئِذٍ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (وَمَجْمُوعُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute