عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَصَّ فِي الْوَلْوَالِجِيَّة عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُفْسِدُ الْوُضُوءَ لَا الصَّلَاةَ) وَتَقَدَّمَ وَجْهُ كُلٍّ بِمَا عَلَيْهِ (فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي) عَلَى صَلَاتِهِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (وَقِيلَ عَكْسُهُ) أَيْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا وُضُوءُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ لِلْفَتَاوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَهُوَ أَقْرَبُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ) لِعَدَمِ الْقَصْدِ (فَبَقِيَ) الْقَهْقَهَةُ بِمَعْنَى الضَّحِكِ أَوْ الْفِعْلِ (كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَتَفْسُدُ) الصَّلَاةُ بِهِ (كَالسَّاهِي بِهِ) أَيْ بِالْكَلَامِ.
[الْإِغْمَاءُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]
(وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَآفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا) وَإِيضَاحُهُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ مُلَخَّصًا قَرِيبًا أَنَّهُ يَنْبَعِثُ عَنْ الْقَلْبِ بُخَارٌ لَطِيفٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ أَلْطَفِ أَجْزَاءِ الْأَغْذِيَةِ يُسَمَّى رُوحًا حَيَوَانِيًّا وَقَدْ أُفِيضَتْ عَلَيْهِ قُوَّةٌ تَسْرِي بِسَرَيَانِهِ فِي الْأَعْصَابِ السَّارِيَةِ فِي أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ فَتُثِيرُ فِي كُلِّ عُضْوٍ قُوَّةً تَلِيقُ بِهِ وَيَتِمُّ بِهَا مَنَافِعُهُ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى مُدْرِكَةٍ وَهِيَ الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ، وَمُحَرِّكَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ بِتَمْدِيدِ الْأَعْصَابِ وَإِرْخَائِهَا لِتَنْبَسِطَ إلَى الْمَطْلُوبِ أَوْ تَنْقَبِضَ عَنْ الْمُنَافِي فَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَتُسَمَّى قُوَّةً شَهْوَانِيَّةً وَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ وَتُسَمَّى قُوَّةً غَضَبِيَّةً وَأَكْثَرُ تَعَلُّقِ الْمُدْرِكَةِ بِالدِّمَاغِ وَالْمُحَرَّكَةِ بِالْقَلْبِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ آفَةٌ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ تِلْكَ الْقُوَى عَنْ أَفْعَالِهَا وَإِظْهَارِ آثَارِهَا كَانَ ذَلِكَ إغْمَاءً فَهُوَ مَرَضٌ لَا زَوَالٌ لِلْعَقْلِ كَالْجُنُونِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْعَقْلُ غَيْرَ بَاقٍ (عُصِمَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ) كَمَا عُصِمُوا مِنْ الْجُنُونِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِغْمَاءُ (فَوْقَ النَّوْمِ) فِي الْعَارِضِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ حَتَّى عَدَّهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَوَانِ اسْتِرَاحَةً لِقُوَاهُ، وَالْإِغْمَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ أَشَدَّ فِي الْعَارِضِيَّةِ وَفِي سَلْبِ الِاخْتِيَارِ وَتَعَطُّلِ الْقُوَى فَإِنَّهُمَا فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدُّ فَإِنَّ مَوَادَّهُ غَلِيظَةٌ بَطِيئَةُ التَّحَلُّلِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّنَبُّهُ وَيَبْطُؤُ الِانْتِبَاهُ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّ سَبَبَهُ تَصَاعُدُ أَبْخِرَةٍ لَطِيفَةٍ سَرِيعَةِ التَّحَلُّلِ إلَى الدِّمَاغِ فَلِذَا يَتَنَبَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ (فَلَزِمَهُ) أَيْ الْإِغْمَاءُ مِنْ إيجَابِ تَأْخِيرِ الْخِطَابِ وَإِبْطَالِ الْعِبَادَاتِ (مَا لَزِمَهُ) أَيْ النَّوْمُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِغْمَاءِ (حَدَثًا وَلَوْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ) مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ لِزَوَالِ الْمُسْكَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَمَنَعَ الْبِنَاءَ) إذَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ (بِخِلَافِ النَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا) بِأَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَاضْطَجَعَ فِي حَالَةِ نَوْمِهِ (لَهُ الْبِنَاءُ) إذَا تَوَضَّأَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ نَادِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ وَالنَّصُّ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدَثِ الْغَالِبُ الْوُقُوعِ وَلَوْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَيَّدَ بِالِاضْطِجَاعِ؛ لِأَنَّ نَوْمَ الْمُصَلِّي غَيْرُ مُضْطَجِعٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هَذَا وَالْإِغْمَاءُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِاعْتِبَارِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُنُونِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ سَقَطَتْ بِهِ بِخِلَافِ النَّوْمِ ثُمَّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَالتَّرْفِيهَ اهـ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا إغْمَاءً مُسَاهَلَةٌ بَلْ هَذَا سُكْرٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا. وَلَوْ شَرِبَ الْبَنْجَ أَوْ الدَّوَاءَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ مَتَى كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِمَرَضٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ مَتَى جَاءَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرَضِ ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُفِقْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْلًا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ سَاعَةً ثُمَّ يُعَاوِدُهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَهِيَ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ يَبْطُلُ حُكْمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْإِغْمَاءِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute