للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْيِيدَ الْفَتْرَةِ بِالطَّبِيعِيَّةِ لِيَخْرُجَ الْإِغْمَاءُ وَقَيَّدَ الْأَفْعَالَ بِالِاخْتِيَارِيَّةِ أَيْ الصَّادِرَةِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ لِبَقَاءِ الْحَرَكَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالتَّنَفُّسِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ النَّوْمُ رِيحٌ تَأْتِي الْحَيَوَانَ إذَا شَمَّهَا ذَهَبَتْ حَوَاسُّهُ كَمَا تُذْهِبُ الْخَمْرُ بِعَقْلِ شَارِبِهَا وَقِيلَ انْعِكَاسُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ إلَى الْبَاطِنَةِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا قِيلَ وَلَهُ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: فَقَدْ الشُّعُورُ حَتَّى لَوْ مَسَّهُ إنْسَانٌ لَمْ يُحِسَّ بِهِ، وَاسْتِرْخَاءُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ قَبَضَ دَرَاهِمَ ثُمَّ نَعَسَ فَسَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهَا دَلَّ عَلَى نَوْمِهِ، وَأَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاضِرِينَ فَلَا يَدْرِي مَا قَالُوا، وَأَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ رُؤْيَا، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ فِي هَذَا قُصُورًا (فَأَوْجَبَ تَأْخِيرَ خِطَابِ الْأَدَاءِ) إلَى زَوَالِهِ لِامْتِنَاعِ الْفَهْمِ وَإِيجَادِ الْفِعْلِ حَالَةَ النَّوْمِ (لَا) تَأْخِيرَ (أَصْلِ الْوُجُوبِ) وَلَا إسْقَاطَهُ حَالَتَئِذٍ لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالذِّمَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً بِالِانْتِبَاهِ أَوْ خَلَفًا بِالْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ بِتَكْثِيرِ الْوَاجِبِ وَامْتِدَادِ الزَّمَانِ وَالنَّوْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَادَةً (وَلِذَا) أَيْ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ حَالَةَ النَّوْمِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِلصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَهُوَ نَائِمٌ (إذَا زَالَ) النَّوْمُ (بَعْدَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُودِ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَقَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ تَثَبُّتِ السَّبَبِيَّةِ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ أَنَّ أَبَا الْمُعِينِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِبَادَةٌ تَلْزَمُهُ بَعْدَ حُدُوثِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَمَا لَهُ فِي هَذَا وَمَا عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (وَ) أَوْجَبَ (إبْطَالُ عِبَارَاتِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ) وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا (وَلَمْ تُوصَفُ) عِبَارَاتُهُ (بِخَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ وَصِدْقٍ، وَكَذِبٍ كَالْأَلْحَانِ) أَيْ كَمَا لَا يُوصَفُ بِهَا أَصْوَاتُ الطُّيُورِ لِانْتِفَاءِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ (فَلِذَا) أَيْ إبْطَالُ النَّوْمِ عِبَارَاتُ النَّائِمِ (اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي جَمَاعَةٍ (أَنَّ قِرَاءَتَهُ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ) وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ.

لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَفِي النَّوَادِرِ تَنُوبُ) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا مَعَ النَّوْمِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ إنَّهُ الْأَوْجُهُ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ قُلْتُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِئُهُ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ أَصْلِيَّانِ لَا يَسْقُطَانِ بِحَالٍ بِخِلَافِهَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا مُؤَثِّرٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا دُونَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي هَذَا مَزِيدُ بَحْثٍ وَفَوَائِدُ أَوْرَدْته فِي كِتَابِي حَلْبَةِ الْمُجِلِّي فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي ثُمَّ عَطَفَ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهُ (وَأَنْ لَا تُفْسِدَ قَهْقَهَتُهُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ وَإِنْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَفِي الْمُغْنِي عَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّ قَهْقَهَتَهُ (تُفْسِدُهُمَا) أَيْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَمَّا الْوُضُوءُ فَلِثُبُوتِ كَوْنِهَا حَدَثًا فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِالنَّصِّ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِحْدَاثِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ، وَهِيَ حَدَثٌ حُكْمِيٌّ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ بِخُصُوصِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهَا نَائِمًا فَلَا يَكُونُ حَدَثًا وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَنَّ فِي الْقَهْقَهَةِ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالنَّوْمُ كَالْيَقِظَةِ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَوَجْهُ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَقَدْ نَصَّ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ زَوَالُ مَعْنَى الْجِنَايَةِ بِالنَّوْمِ ثُمَّ النَّوْمُ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ وَهُوَ مَخْدُوشٌ بِمَا تَرَاهُ (وَتَفْرِيعُ النَّوَازِلِ الْفَسَادُ بِكَلَامِ النَّائِمِ عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(لِعَدَمِ فَرْقِ النَّصِّ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (بَيْنَ الْمُسْتَيْقِظِ وَالنَّائِمِ وَإِنْزَالُ النَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ) شَرْعًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ بَيْنَ يَدَيَّ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي عِلَلِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ لَا يَثْبُتُ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى

<<  <  ج: ص:  >  >>