للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ (وَلَمَّا كَانَ) وَضْعُ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (غَيْرَ قَصْدِيٍّ) أَيْ غَيْرَ مَقْصُودِ بِالذَّاتِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لَيْسَ إلَّا تَجْوِيزُ اسْتِعْمَالِهِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ) بِمَا يُسَوِّغُ الْحُكْمَ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ فِي الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ الْوَاضِعِ جَوَّزْت أَنْ تَذْكُرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِيُحْكَمَ عَلَى ذَوَاتِهَا بِمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا مُهْمَلَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَعْمَلَةً فَوَضْعُهَا لِنَفْسِهَا هُوَ هَذَا التَّجْوِيزُ فَقَطْ بِخِلَافِ وَضْعِهَا لِغَيْرِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إفَادَةُ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ لَهَا فِي مَوَاقِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.

(لَمْ يُوضَعْ) لِلَّفْظِ كَائِنًا مَا كَانَ (الْأَلْقَابُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ) أَيْ الْمَنْسُوبَةُ إلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ لِانْتِفَاءِ مُقْتَضَيَاتِهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ حِينَئِذٍ (فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مَوْضُوعٍ لِلْمُغَايِرِ مُشْتَرَكًا) مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَضْعَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ (وَلَمْ يُسَمَّ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ (عَلَمًا وَلَا اسْمَ جِنْسٍ وَلَا دَالًّا بِالْمُطَابَقَةِ) وَلَا بِالتَّضَمُّنِ وَلَا بِالِالْتِزَامِ لَكِنْ يَطْرُقُ عُمُومَ هَذَا الْمَنْعِ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ إذَا اُسْتُعْمِلَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِمَجَازِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْعَلَمَ كَمَا سَتَسْمَعُهُ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا تَصَدَّى الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ لِتَحْقِيقِ مَعَانِي الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ أَفَادَ التَّصْرِيحَ بِانْقِسَامِ الْوَضْعِ إلَى لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكَشَّافِ أَيْضًا بِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَنْفُسِهَا لَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى وَضْعٍ أَصْلًا لِوُجُودِهَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ بِلَا تَفَاوُتٍ وَجَعْلُهَا مَحْكُومًا عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا أَسْمَاءً؛ لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ بِأَسْرِهَا مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ فِي جَوَازِ الْإِخْبَارِ عَنْ لَفْظِهَا بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْمُهْمَلَاتِ كَقَوْلِك جَسَقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفٍ ثَلَاثَةٍ وَدَعْوِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةَ بِإِزَاءِ نَفْسِهَا وَضْعًا قَصْدِيًّا أَوْ غَيْرَ قَصْدِيٍّ مُكَابَرَةٌ فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ وَضْعٍ غَيْرَ قَصْدِيٍّ لَا يُسَاعِدُهُ نَقْلٌ وَلَا عَقْلٌ، وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ ضَرَبَ وَمِنْ أَخَوَاتِهِمَا أَسْمَاءٌ لِأَلْفَاظِهَا الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا، وَأَعْلَامٌ لَهَا فَكَلَامٌ تَقْرِيبِيٌّ قَالُوا ذَلِكَ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْمَرَامِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ إجْرَاءُ حُكْمٍ عَلَى لَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِ نَفْسُهُ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إلَى وَضْعٍ وَلَا إلَى دَالٍّ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِتَلَفُّظِهِ وَحُضُورِهِ بِذَلِكَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَحْضُرهُ فِيهِ فَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَشَارِكَةٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا أَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ كَانَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ فَيَنْصِبُ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِيَتَوَجَّهَ الْحُكْمُ إلَيْهِ اهـ.

وَكَانَ كَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ الْمُرَادِ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَوْضَحْنَاهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى أَشَارَ أَوَّلًا إلَى التَّعَقُّبِ الْمَذْكُورِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي تَوْجِيهِهِ ثُمَّ ثَانِيًا إلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ فَقَالَ: (وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ بَلْ وَلَا وَضْعَ) لِلَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لِاسْتِدْعَائِهِ) أَيْ الْوَضْعِ (التَّعَدُّدَ) ضَرُورَةَ اسْتِلْزَامِهِ مَوْضُوعًا، وَمَوْضُوعًا لَهُ وَلَا تَعَدُّدَ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ بَلْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ نَفْسُهُ مَدْلُولَهُ وَالدَّالَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَدْلُولِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوَضْعَ (لِلْحَاجَةِ) إلَى إفَادَةِ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ وَغَيْرِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ (فِي الْمُغَايِرِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ (مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ) أَيْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ اصْطِلَاحًا كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامٍ الْمُعْتَرِضِ (وَمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ الْإِذْنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ ذَاتِهِ (مُخْلَصٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إذْ هَذَا الْمُرَادُ لَا يَنْفِيهِ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ وَلَا الْمُعْتَرِضُ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْعَائِهِ التَّعَدُّدَ بِأَنَّ تَغَايُرَ الِاعْتِبَارِ كَافٍ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ دَالًّا وَمَدْلُولًا، وَيُجَابُ عَنْ انْحِصَارِ الْحَاجَةِ فِي الْمُغَايَرَةِ بِالْمَنْعِ ثُمَّ قُصَارَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّهُ يَمْنَعَ تَسْمِيَةَ هَذَا الْمُرَادِ بِالْوَضْعِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَمِثْلُهُ مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ يَدْفَعُهَا أَنَّهُ لَا مُنَاقَشَةَ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْأُمُورِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَةِ الْأُولَى لِلَّفْظِ.

[بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ]

وَلْنَشْرَعْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>