للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا سَلَفَ) أَيْ الطَّوَافِ وَالرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَحْدِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي الزِّنَا الثَّابِتَةِ بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ (إذْ يَرْفَعُ) الظَّنُّ فِي هَذِهِ (حُرْمَةَ الزِّيَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْإِجْزَاءِ بِلَا طَهَارَةٍ) فِي الطَّوَافِ (وَ) بِلَا (أَيْمَانٍ) فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَتَيْ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ.

(وَإِبَاحَتُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الطَّوَافِ وَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِيهِمَا (كَذَلِكَ) أَيْ بِلَا طَهَارَةٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِلَا أَيْمَانٍ فِي الثَّانِي (وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ النَّصِّ) الَّذِي هُوَ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ ثَابِتٌ (بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) قَطْعِيٍّ هُوَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ فِي الطَّوَافِ وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكَفَّارَةِ (وَعُمُومِ تَحْرِيمِ الْأَذَى) كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَدُورُ الْفِقْهُ عَلَيْهَا.

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وُجُوهٍ وَمَجْمُوعُهَا يُقَوِّي الْحَدِيثَ وَيُحَسِّنُهُ وَقَدْ يَقْبَلُهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَجُّوا بِهِ،.

وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فِي تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ، وَالْقَطْعِيُّ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ اتَّصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ يُرْفَعُ التَّعَدُّدُ وَالِانْفِصَالُ كَمَا لَوْ زِيدَ فِي الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فَهِيَ نَسْخٌ إذْ كَانَ حُكْمُ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ الْإِجْزَاءَ وَالصِّحَّةَ بِدُونِ الْأُخْرَيَيْنِ وَقَدْ ارْتَفَعَ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ اتِّصَالَ اتِّحَادٍ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ جُزْأَيْنِ لِعِبَادَةٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِ الزِّيَادَةِ شَرْطًا كَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ النَّصِّ لَا مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ إجْزَاءُ الطَّوَافِ بِالطَّهَارَةِ وَبِغَيْرِهَا وَأَخْرَجَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ وَخَرَجَ أَيْضًا زِيَادَةُ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى الثَّمَانِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَانِينَ بَقِيَ وُجُوبُهُ وَإِجْزَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ بَقَائِهِ وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِرَاضَيْنِ أَنَّ الثَّمَانِينَ كَانَ حَدًّا كَامِلًا وَرُفِعَ اسْتِحْقَاقُ حُكْمِ الْكَمَالِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ نَسْخًا وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ نَسْخٌ لِوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.

وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ اسْمِ الْكَمَالِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ بَلْ بِالْمَفْهُومِ، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِالْآحَادِ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ وَإِنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِالْآحَادِ فَهُوَ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَهَذَا مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ بِثُبُوتِهِ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَهُ نَسْخًا أَنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَفْهُومَ كَانَ مُرَادًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ بَلْ لَعَلَّهُ وَرَدَ بَيَانًا لِإِسْقَاطِ الْمَفْهُومِ مُتَّصِلًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) قَالَ الزِّيَادَةُ (إنْ غَيَّرْته) أَيْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا (حَتَّى لَوْ فُعِلَ) الْمَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَهَا (وَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ أَوْ) كَانَ (تَخْيِيرُهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (بَيْنَ) خِصَالٍ (ثَلَاثٍ) كَأَعْتِقْ أَوْ صُمْ أَوْ أَطْعِمْ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَخْيِيرِهِ (فِي ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا كَأَعْتِقْ أَوْ صُمْ كَانَتْ نَسْخًا عِنْدَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَالثَّانِي (لِرَفْعِ حُرْمَةِ تَرْكِهِمَا) أَيْ الْخَصْلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ مَعَ فِعْلِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ تَرْكُهُمَا مُحَرَّمًا (بِخِلَافِ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ وَعِشْرِينَ عَلَى الثَّمَانِينَ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسْخًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِدُونِ وُجُودِهَا لَيْسَ كَالْعَدَمِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِئْنَافُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمُّهَا إلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ (وَغَلِطَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْأَخِيرِ (بَعْضُهُمْ) أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ جَعَلَ وُجُودَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فِيهِ بِدُونِهَا كَالْعَدَمِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ نَسْخٌ.

قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَا يُقَالُ شَرْطُ الضَّرَبَاتِ أَنْ تَكُونَ مُتَوَالِيَةً فَلَوْ أَتَى بِثَمَانِينَ مُنْفَصِلَةً عَنْ عِشْرِينَ لَمْ يَكْفِ ضَمُّ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا تَكَلُّفُ مَحَضٍ، ثُمَّ أَنَّهُ قَدْ يُجْلَدُ فِي يَوْمٍ ثَمَانِينَ وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ عِشْرِينَ وَذَلِكَ يُجْزِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَفَرُّقُهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إيلَامٌ وَنَكِيلٌ وَزَجْرٌ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ وَضَبَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّفْرِيقَ فَقَالَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقَعَ كَسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ يُؤْلِمُ وَيُؤَثِّرُ بِمَالِهِ وَقَعَ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ جَازَ وَإِنْ تَخَلَّلَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَنْ يَعْدِمَ الْمُحَاوِلُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>