يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَفَنٌ بِهِ مَيِّتٌ إلَّا نَادِرًا مِنْ النَّاسِ مَعَ عَدَمِ مَمْلُوكِيَّتِهِ لِأَحَدٍ أَوْ تَحَقُّقِ شُبْهَةٍ فِيهَا وَنُقْصَانِ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الْحَافِظِ لَهُ، وَإِنَّمَا يُسَارِقُ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَارَّةِ غَيْرَ حَافِظٍ، وَلَا قَاصِدٍ فَلَا يُحَدُّ حَدَّ السَّرِقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَانَ بِالْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يَفِي بِهَذَا فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ تَعَدِّيهِ لِلْحُكْمِ الَّذِي فِي الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ فِي الْفَرْعِ دُونَهُ فِي الْأَصْلِ، وَأَمَّا السَّمْعِيُّ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ صَلَحَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْحُجِّيَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى وُقُوعِهِ سِيَاسَةً لِمُعْتَادِهِ لَا حَدًّا، وَبِهِ نَقُولُ ثُمَّ عَلَى الصَّحِيحِ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (لِتَعَدُّدِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة) لِلَّفْظِ (مَعَ الْعِلْمِ بِالِاشْتِرَاكِ) أَيْ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا (وَلَا مُعَيِّنَ) لِأَحَدِهَا (أَوْ تَجْوِيزِهَا) أَيْ أَوْ مَعَ تَجْوِيزِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لِلَّفْظِ (مَجَازِيَّةً) لَهُ (أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ أَوْ تَجْوِيزِ بَعْضِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لَهُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إلَى تَأَمُّلٍ) بَعْدَ الطَّلَبِ فَذَلِكَ اللَّفْظُ (مُشْكِلٌ) اصْطِلَاحًا مِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ إذَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصْدُقُ الْمُشْكِلُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ.
قُلْنَا: نَعَمْ (وَلَا يُبَالِي بِصِدْقِهِ) أَيْ الْمُشْكِلِ (عَلَى الْمُشْتَرَكِ) فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ (كَ أَنَّى) أَيْ مِثَالِ الْمُشْكِلِ لَفْظُ أَنَّى (فِي أَنَّى شِئْتُمْ) بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: ٢٢٣] فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ (لِاسْتِعْمَالِهِ كَأَيْنَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: ٣٧] (وَكَيْفَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: ٢٥٩] فَاشْتَبَهَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ عَلَى السَّامِعِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ (إلَى أَنْ تُؤُمِّلَ) بَعْدَ الطَّلَبِ لَهُمَا وَالْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا فِي مَوْقِعِهَا هَذَا (فَظَهَرَ الثَّانِي) وَهُوَ كَيْفَ دُونَ أَيْنَ (بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ، وَتَحْرِيمِ الْأَذَى) أَيْ وَدَلَالَةِ تَحْرِيمِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ وَهُوَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ فِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى فَيَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي الْأَوْصَافِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُقْبِلَةً أَوْ مُدْبِرَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْتِيُّ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَبَ النَّظَرُ أَوَّلًا فِي مَعَانِي اللَّفْظِ وَضَبْطِهَا.
وَالتَّأَمُّلُ اسْتِخْرَاجُ الْمُرَادِ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الطَّلَبَ كَمَا ذَكَرُوهُ لِاسْتِلْزَامِ التَّأَمُّلِ تَقَدُّمَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَشَدُّ خَفَاءً مِنْ الْخَفِيِّ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَقَلُّ خَفَاءً مِنْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ مُقَابِلُهُ النَّصَّ (وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ (لِتَعَدُّدٍ) فِي مَعْنَاهُ (لَا يُعْرَفُ) الْمُرَادُ مِنْهُ (إلَّا بِبَيَانٍ) مِنْ الْمُطْلَقِ (كَمُشْتَرَكٍ) لَفْظِيٍّ (تَعَذَّرَ تَرْجِيحُهُ) فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ (كَوَصِيَّةٍ لِمَوَالِيهِ) فَإِنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ (حَتَّى بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِمَوَالِيهِ (فِيمَنْ لَهُ الْجِهَتَانِ) مَنْ أَعْتَقُوهُ وَمَنْ أَعْتَقَهُمْ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِبَقَاءِ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا فَهُنَا رِوَايَاتٌ مِنْهَا أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ جَوَازَهَا وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ (أَوْ إبْهَامُ مُتَكَلِّمٍ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَوْ مَا أَبْهَمَ الْمُتَكَلِّمُ مُرَادَهُ مِنْهُ (لِوَضْعِهِ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ (لِغَيْرِ مَا عُرِفَ) مُرَادًا مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِهِ (كَالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالرِّبَا) الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالْوَضْعِ لَهَا.
وَاللَّفْظُ الْغَرِيبُ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ كَالْهَلُوعِ (مُجْمَلٌ) مِنْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ رَدَّهُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ الْأَمْرِ أَبْهَمَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا أَشَدَّ خَفَاءً مِنْ الْمُشْكِلِ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَاهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ كَانَ مُقَابِلُهُ الْمُفَسَّرَ (وَمَا) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ بِحَيْثُ (لَمْ يُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فِي الدُّنْيَا مُتَشَابِهٌ) اصْطِلَاحًا مِنْ التَّشَابُهِ بِمَعْنَى الِالْتِبَاسِ (كَالصِّفَاتِ) الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى (فِي نَحْوِ الْيَدِ) وَالْوَجْهِ الظَّاهِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute