اشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ كَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ دَلِيلَ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَامِلٌ لِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُخْرِجًا لَهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ مِنْهُ (وَ) بَطَلَ (إطْبَاقُهُمْ عَلَى تَقْسِيمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ) لِأَنَّ الْقِيَاس لَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ (وَلَوْ) كَانَ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكًا (لَفْظِيًّا) بَيْنَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَبَيْنَ مَفْهُومِهَا (فَالتَّعْرِيفُ) الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ (لِخُصُوصِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ (وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (الدَّوْرَ فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْعُ تَعَقُّلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَالْفَرْعَ هُوَ الْمَقِيسُ فَمَعْرِفَتُهُمَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا.
(وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ وَهُوَ) أَيْ مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ (مَحَلٌّ) مَنْصُوصٌ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَغَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَرْعُ أَيْ الذَّاتَانِ اللَّتَانِ تَعْرِضُهُمَا الْفَرْعِيَّةُ وَالْأَصْلِيَّةُ لَا الذَّاتَانِ مَعَ الْوَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ (خِلَافُ) مُقْتَضَى (اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْوَصْفِ إرَادَةُ الذَّاتِ مَعَ مَا قَامَ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِرَادَةُ الذَّاتِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنَايَةً يَنْبُو عَنْهَا التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ (وَقُلْنَا) الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (رُكْنٌ وَيُسْتَغْنَى) بِهَذَا الْمُرَادِ (عَنْ الدَّفْعِ) الْمَذْكُورِ (الْمَنْظُورِ) فِيهِ بِهَذَا (ثُمَّ إنْ عُمِّمَ) كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ وَتَعْرِيفِنَا (فِي) الْقِيَاسِ (الْفَاسِدِ) وَالصَّحِيحِ (زِيدَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ لِتَبَادُرِ) الْمُسَاوَاةِ (الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) إلَى الْفَهْمِ (مِنْ الْمُسَاوَاةِ) الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقَيُّدِ بَقِيَ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَا الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ فَإِنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُطَابِقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يُطَابِقَ (وَعَنْهُ) أَيْ وَعَنْ تَبَادُرِ الْمُسَاوَاةِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ (لَزِمَ الْمُصَوِّبَةَ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ (زِيَادَتُهَا) أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ (لَمَّا لَمْ تَكُنْ إلَّا) الْمُسَاوَاةَ (فِي نَظَرِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (كَانَ الْإِطْلَاقُ) لَهَا (كَقَيْدٍ مُخْرِجٍ لِلْإِفْرَادِ يُفِيدُ) الْإِطْلَاقُ (التَّقْيِيدَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ وَافَقَ نَظَرَهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (أَوْ لَا) حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ مُسَاوَاةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا بَلْ فِي نَظَرِهِ فَكَانَ قَيْدًا مُخْرِجًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا يَخْطُرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَإِطْلَاقُهَا مُنْصَرِفٌ إلَى إرَادَتِهَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِيضَاحِ دَفْعِهِ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ النَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الظَّفَرِ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: كُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ صَوَابٌ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُهُ.
وَلَوْ اعْتَرَفُوا بِوُجُودِ مُسَاوَاةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَالُوا بِخَطَأِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا أَنَّهُ صَوَابٌ مَنْسُوخٌ بِالثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي سُوِّغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ اسْتِنْبَاطُهُ الْحُكْمَ مِنْهُ فَهُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ نَظَرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ أَوَّلًا كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ مَا يُفِيدُ مُنَاقَضَتَهُ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُونَ عَلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ نَفَى كَوْنَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فِعْلَ مُجْتَهِدٍ بِاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ) فِي تَعْرِيفِهِ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ (فَأَبْطَلَ التَّعْرِيفَ) الْمَنْقُولَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لِلْقِيَاسِ (بِبَذْلِ الْجَهْدِ إلَخْ) أَيْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ (بِأَنَّهُ) أَيْ بَذْلَ الْجَهْدِ (حَالُ الْقَائِسِ مَعَ أَعَمِّيَّتِهِ) فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ جِنْسِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ (ثُمَّ اخْتَارَ فِي قَصْدِ التَّعْمِيمِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (تَشْبِيهَ) فَرْعٍ بِأَصْلٍ عَلَى الْمُخَطِّئَةِ وَبِزِيَادَةٍ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُصَوِّبَةِ (نَاقَضَ) نَفْسَهُ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ فِعْلَ الشَّارِعِ فَيَفْسُدُ تَعْرِيفُهُ بِمَا أَفْسَدَ بِهِ تَعْرِيفَ أُولَئِكَ (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا التَّنَاقُضَ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِتَشْبِيهِ فَرْعٍ بِأَصْلٍ (تَشْبِيهُ الشَّارِعِ) وَهُوَ فِعْلُ الشَّارِعِ (قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ شَرْعَهُ تَعَالَى) الْحُكْمَ (فِي كُلِّ الْمَحَالِّ) إنَّمَا هُوَ (ابْتِدَاءٌ) أَيْ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ (لَا بِنَاءٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute