للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّشْبِيهِ) أَيْ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي بَعْضِهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ شِبْهِ هَذَا الْمَحَلِّ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ (وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ) التَّشْرِيعِ الدَّفْعِيِّ فِي الْجَمِيعِ (الشَّبَهُ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الْحَالِ (وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ تُفِيدُ) كَوْنَ الْقِيَاسِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا (فَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْهَا (إلَى فِعْلِهِ) تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَسُوغُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (فَهُوَ) أَيْ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ (مُخَلِّصٌ) مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا لَا فَلَا (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ نَظَرَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ أَوْ لَا كَالنَّصِّ) .

قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلًا لِلْمُجْتَهِدِ وَكَوْنُ النَّصِّ كَذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ مَنَاطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ النَّاسِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا (فَمِنْ الثَّانِي) أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى كَوْنِهِ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ (تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ لَا تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ (لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِكَوْنِهِ مُعَدِّيًا حُكْمَ أَصْلٍ إلَى فَرْعٍ بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ (ثُمَّ فَسَّرَهَا) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ التَّعْدِيَةَ (بِإِثْبَاتِ حُكْمِ مِثْلِ الْأَصْلِ) فِي الْفَرْعِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (مَا سَنَذْكُرُهُ) قَرِيبًا فِي حُكْمِ الْقِيَاسِ (فَأَفَادَ أَنَّهَا) أَيْ التَّعْدِيَةَ (فِعْلُ مُجْتَهِدٍ وَلَيْسَتْ) التَّعْدِيَةُ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُجْتَهِدِ (إذْ لَا فِعْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ (سِوَى النَّظَرِ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا) فِي الْفَرْعِ (ثُمَّ يَلْزَمُهُ) أَيْ النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ إذَا أَدَّى نَظَرُهُ إلَى وُجُودِهَا فِيهِ (ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى عَادَةً فَلَيْسَتْ التَّعْدِيَةُ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى ظَنِّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَظَنُّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ اصْطِلَاحًا فَإِنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ لَا الْفِعْلِ (وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ فِي الْفَرْعِ (ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ) فِي نَفْسِهِ (لَا نَفْسُ الْقِيَاسِ) فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تُصَدَّقُ عَلَى مَا لَهُ الثَّمَرَةُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ تَعْرِيفِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لَا الْقِيَاسُ (قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْجُمْهُورُ (حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا إلَخْ) أَيْ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ.

وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْقَاضِي فَهُوَ مَعْنَاهُ إذْ لَفْظُهُ فِي التَّعْرِيفِ حَمْلُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي إيجَابِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَهُمَا أَوْ إسْقَاطِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَيْ أَمْرٍ كَانَ مِنْ إثْبَاتِ صِفَةٍ وَحُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُمَا انْتَهَى لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ثَمَرَةِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ (وَفِيهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا (زِيَادَةُ إشْعَارٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ) ثَابِتٌ (بِالْقِيَاسِ) كَحُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّ هَذَا يُنْبِئُ عَنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ حُكْمَ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْقِيَاسِ هُوَ (الظَّاهِرُ فَظَهَرَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِإِظْهَارٍ فِي الْقِيَاسِ الْفَرْعَ إيَّاهُ) وَالظَّاهِرُ بِإِظْهَارِ الْقِيَاسِ فِي الْفَرْعِ إيَّاهُ أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا بَيَانُ أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ مَعًا إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ لَا أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ وَيُصَدَّقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا جَمِيعًا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إذْ ظَاهِرٌ أَنَّ افْتِقَارَ الْمَجْمُوعِ إلَى شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي افْتِقَارُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ افْتِقَارُ أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ عِنَايَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ لَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِإِفَادَةِ إخْرَاجِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَنْطُوقِ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِيهِ قَبْلَ مُلَاحَظَةِ الْقِيَاسِ بَلْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثَابِتَةً لِلْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْإِشْعَارَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ جَامِعٍ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ.

أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>