مَا هُوَ الْحَقُّ فَلَا انْتَهَى قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الْإِشْعَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ التَّشْرِيكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ قَصْدِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ وَالتَّسْوِيَةُ مِمَّا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْت لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَجَازًا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ يُجْتَنَبُ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ إلْحَاقُهُ بِهِ وَعَبَّرَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْيَقِينِ وَالظَّنِّ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُسْتَحِيلٍ وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ لَاخْتَصَّ بِالْمَوْجُودِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَيْ الْمَعْلُومَيْنِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا لِيَتَنَاوَلَ الْقِيَاسَ فِي الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمَحْدُودِ وَفِي الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ أَيْضًا قَتْلٌ تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ وَقَالَ بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْحَمْلِ بِلَا جَامِعٍ ثُمَّ السُّبْكِيُّ مَشَى عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا آخِرُ الْحَدِّ وَأَنَّ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ جَرَى مَجْرَى تَفْسِيرِ الْأَمْرِ الَّذِي يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَعَمُّ مِنْ الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ الْحَدُّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ بِجَامِعٍ كَافٍ فِي التَّمْيِيزِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ الْجَامِعِ فِي الْحَدِّ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْجَزَ أَوْلَى قُلْنَا الْأَوْلَوِيَّةُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ غَيْرُ التَّمْيِيزِ مَقْصُودٌ وَهَا هُنَا يُفِيدُ تَفْصِيلَ الْأَقْسَامِ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّ الْجَامِعَ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِ الْقَتْلِ عُدْوَانًا أَوْ لَيْسَ بِعُدْوَانٍ وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَإِيرَادُ الْحُكْمِ إنْ تَنَاوَلَ الصِّفَةَ كَأَنْ ذَكَرَهَا مُسْتَدْرِكًا أَوَّلًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ صِفَةٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ إلَّا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِ الْجَامِعِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ تَصَوُّرًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَحَقُّقَهُ فِي الْوَاقِعِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِ دَوْرًا وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَصَوُّرَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِدُونِ تَصَوُّرِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلدَّوْرِ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نَفْيَهُ حَشْوٌ وَقَوْلُهُ لِيَنْدَرِجَ الْإِلْحَاقُ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْإِلْحَاقَ فِي النَّفْيِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لَا فِي نَفْسِ الْعَدَمِ وَالْحُكْمُ بِالْعَدَمِ ثُبُوتِيٌّ لَا عَدَمِيٌّ كَالْحُكْمِ بِالْوُجُودِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحِلِّ وَالْعَدَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ فِي نَفْسِ الْعِبَارَةِ كَقَوْلِنَا لَا يَحْرُمُ وَمَعْنَاهُ يَحِلُّ فَإِنْ قُلْت عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحِلِّ.
قُلْت نَعَمْ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الَّذِي لَا حِلَّ مَعَهُ هُوَ الْعَدَمُ الْعَقْلِيُّ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ الْمُسْتَنِدُ إلَى الشَّرْعِ هُوَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ انْتَهَى قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَوْ نَقُولُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا أَوْ سَلْبًا فَهَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لَهُ
(وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ تَعْرِيفُ الْمُنَازَلَةِ بِقَوْلِهِ (تَقْدِيرُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ فَإِنَّك عَمِلْتَ أَنَّ التَّقْدِيرَ يُقَالُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فَرَجَعَ) هَذَا (إلَى تَسْوِيَتِهِ تَعَالَى مَحَلًّا بِآخَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ) آنِفًا مِنْ (أَنَّهُمَا) أَيْ الْمَحَلَّيْنِ هُمَا (الْمُرَادُ بِهِمَا) أَيْ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ (وَيَقْرَبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ (قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيِّ (إبَانَةُ مِثْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute