حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَتَصْحِيحُهُ بِإِبَانَةِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْإِبَانَةَ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا (أَنَّهُ) أَيْ اخْتِيَارَهَا (لِإِفَادَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ بَلْ الْمُثْبِتُ هُوَ سُبْحَانَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ حَمْلُ الْإِبَانَةِ عَلَى إبَانَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ (لِأَنَّ) الْأَدِلَّةَ (السَّمْعِيَّةَ) مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرًا لِلْحُكْمِ لَا أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهُ (كُلَّهَا كَذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ لِأَنَّهَا (إنَّمَا تُظْهِرُ الثَّابِتَ مِنْ حُكْمِهِ وَهُوَ) الْمَعْنَى (النَّفْسِيُّ ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنْ يُقَالَ (إنَّ إبَانَتَهُ) أَيْ الشَّارِعِ (الْحُكْمَ لَيْسَ) ذَلِكَ (نَفْسَ الدَّلِيلِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (بَلْ) ذَلِكَ أَمْرٌ (مُرَتَّبٌ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ عَادَةً وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ (وَيَجِبُ حَذْفُ " مِثْلِ " فِي مِثْلِ حُكْمٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (نُصَّ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ) وَهُوَ الْأَصْلُ (وَالْقِيَاسُ يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفَرْعُ (أَيْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدٌ لَهُ إضَافَتَانِ إلَى الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْأَصْلِ وَإِلَى الْفَرْعِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْفَرْعِ فَلَا يَتَعَدَّدُ فِي ذَاتِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ أَصْلًا بَلْ هُوَ وَاحِدٌ لَهُ تَعَلَّقَ بِكَثِيرِينَ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقْدُورَاتِ وَبِهِ لَا تَصِيرُ الْقُدْرَةُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً.
(وَكَذَا) يَجِبُ حَذْفُ (مِثْلٍ فِي بِمِثْلِ عِلَّتِهِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَمَا سَتَعْلَمُ (وَمَبْنَى هَذَا الْوَهْمِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِثْلٍ فِي كِلَا هَذَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ (حَتَّى قَالَ مُحَقِّقٌ) وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِهِ (لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتَ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا) فِي الْفَرْعِ (لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ وَبِذَلِكَ) أَيْ وَبِالْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ (يَحْصُلُ ظَنُّ مِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ) وَبَيَانُ وَهْمِهِمْ (أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخِطَابَ (وَصْفٌ مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ وَاحِدٌ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا ذَكَرَ) مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ (إنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَةِ قِيَامِ الْعَرْضِ الشَّخْصِيِّ بِالْمَحَلِّ كَالْبَيَاضِ الشَّخْصِيِّ الْقَائِمِ بِالثَّوْبِ الشَّخْصِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِعَيْنِهِ بِغَيْرِهِ وَالْكَائِنُ هُنَا مُجَرَّدُ إضَافَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِوَاحِدٍ شَخْصِيٍّ وَكَذَلِكَ) أَيْ تَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ لَهُ (لَا يَمْنَعُهُ الشَّخْصِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْخَمْرِ) هُوَ (بِعَيْنِهِ لَهُ إضَافَةٌ أُخْرَى إلَى النَّبِيذِ وَمِثْلُهُ مِمَّا لَا يُحْصَى كَالْقُدْرَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ لَيْسَتْ) الْقُدْرَةُ (قَائِمَةً بِهَا) أَيْ بِالْمَقْدُورَاتِ (بَلْ بِهِ تَعَالَى وَلَهَا) أَيْ الْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ (إلَى كُلِّ مَقْدُورٍ إضَافَةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ) وَكَمَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَجْعَلُوا نَحْوَ الْخَالِقِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِأَنَّهَا إضَافَةٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورِ.
(وَكَذَا الْوَصْفُ) الْمُعَدَّى الصَّالِحُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قِيَامُ شَخْصٍ بِمَحَلَّيْنِ (إذْ لَيْسَ) الْوَصْفُ (الْمَنُوطُ بِهِ) الْحُكْمُ (الْوَصْفَ الْجُزْئِيَّ بَلْ) الْوَصْفُ الْمَنُوطُ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ الْوَصْفُ (الْكُلِّيُّ وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ الْكُلِّيُّ (بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي) كُلِّ (الْمَحَالِّ) أَصْلًا وَفَرْعًا (فَمَنَاطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ) مُطْلَقًا لَا إسْكَارُ الْخَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ إسْكَارَ الْخَمْرِ (قَاصِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَمْرِ وَذِكْرُهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ أَوْ كَمَا هُوَ لُغَةً فِيهَا (فَتَمْتَنِعُ التَّعْدِيَةُ) لِامْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْمَنَاطِ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ لَا أَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ (الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَفَاسِدِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُ الْإِنْسَانِ مِنْهَا (وَاشْتِمَالُهُ) عَلَيْهِ (لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ إسْكَارٌ كَذَا بَلْ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ (إسْكَارٌ) مُطْلَقٌ (وَهُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْمَحَالِّ) كُلِّهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ فِي الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ.
(وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ خِلَافُ كَلَامِ النَّاسِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute