للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى (قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَوْلِ) يَكُونُ (بِقَصْدِ الْمَعْنَى وَ) صِحَّةُ (الْعَمَلِ بِاخْتِيَارِهِ) لِيَكُونَ تَرْجَمَةً عَمَّا فِي الضَّمِيرِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِكْرَاهُ (يُفْسِدُهُمَا) أَيْ الْقَصْدَ وَالِاخْتِيَارَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِنَيْلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا (وَأَيْضًا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (بِلَا رِضَاهُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمُ الْحُقُوقِ (وَعِصْمَتُهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (تَدْفَعُهُ) أَيْ الضَّرَرَ عَنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ بِلَا اخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا قَطَعَ الْحُكْمَ عَنْ الْفَاعِلِ بِقَوْلٍ (إنْ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (إلَى الْحَامِلِ) وَهُوَ الْمُكْرَهُ بِإِمْكَانِ أَنْ يُبَاشِرَهُ الْحَامِلُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ.

(كَعَلَى إتْلَافِ الْمَالِ نُسِبَ) الْفِعْلُ (إلَيْهِ) أَيْ الْحَامِلِ وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَى الْحَامِلِ (بَطَلَ) بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ أَحَدٌ (كَعَلَى الْأَقْوَالِ إقْرَارٌ وَبَيْعٌ وَغَيْرُهُمَا) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْإِكْرَاهُ (عُذْرًا بِأَنْ لَا يُحِلُّ) لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ (كَعَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا لَا يَقْطَعُهُ) أَيْ الْحُكْمُ (عَنْهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (فَيَقْتَصُّ مِنْهُ الْمُكْرَهُ) الَّذِي هُوَ الْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ (وَيُحَدُّ) الْمُكْرَهُ الَّذِي هُوَ الزَّانِي بِالزِّنَا، فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِالِاقْتِصَاصِ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا أُجِيبَ لَا (وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا عِنْدَهُ بِالتَّسْبِيبِ) فِي قَتْلِهِ بِإِكْرَاهِهِ أَوْ هُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ إذَا تَعَيَّنَ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهِ الْإِحْيَاءُ بِسَدِّ بَابِ الْقَتْلِ عَدُوَّانَا وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ شَائِعٌ مِنْ أَهْلِ الْجَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْجِئِ لَانْفَتَحَ بَابُ الْقَتْلِ (وَمَا) كَانَ مِنْ الْإِكْرَاهِ (بِحَقٍّ لَا يَقْطَعُ) نَفْسَ الْفِعْلِ عَنْ الْفَاعِلِ (فَصَحَّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ وَبَيْعُ الْمَدْيُونِ الْقَادِرِ) عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ (مَالَهُ لِلْإِيفَاءِ وَطَلَاقُ الْمُولِي) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ زَوْجَتِهِ مِنْ الْإِيلَاءِ (بَعْدَ الْمُدَّةِ مُكْرَهِينَ) أَيْ حَالَ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْحَرْبِيُّ وَالْمَدْيُونُ وَالْمُولِي مُكْرَهِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ جَائِزٌ فَعُدَّ اخْتِيَارُهُ قَائِمًا فِي حَقِّهِ إعْلَاءً لِلْإِسْلَامِ كَمَا عُدَّ قَائِمًا فِي حَقِّ السَّكْرَانِ زَجْرًا لَهُ.

(بِخِلَافِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ) بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اخْتِيَارِهِ قَائِمًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلِصِحَّةِ إكْرَاهِ كُلٍّ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْلَى عَلَى الْإِيفَاءِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِكَوْنِهِ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا هُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ مُضِيِّهَا بَاطِلٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ (وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ مُخَلَّدٍ وَضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ شَدِيدٍ (وَقَتْلٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي الْحَبْسِ ضَرَرًا كَالْقَتْلِ وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي دَفْعَ الضَّرَرِ (بِخِلَافِ نَحْوِ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِذْهَابِ الْجَاهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا (وَأَصْلُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إمَّا قَوْلٌ لَا يَنْفَسِخُ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (فَيَنْفُذُ كَمَا) يَنْفُذُ (فِي الْهَزْلِ) بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلِاخْتِيَارِ وَالْإِكْرَاهُ مُفْسِدٌ لَهُ لَا مُنَافٍ (مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُكْرَهِ) أَيْ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ (إلَّا مَا أَتْلَفَ) مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِكْرَاهِهِ (كَالْعِتْقِ فَيُجْعَلُ) الْفَاعِلُ (آلَةً) لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ مَالِيَّةِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (فَيَضْمَنُ) الْحَامِلُ لِلْفَاعِلِ قِيمَةَ الْعَبْدِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ وَهُوَ مُقْتَصَرٌ عَلَى الْفَاعِلِ.

وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ (بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتْلَفْ كَعَلَى قَبُولِهَا الْمَالَ فِي الْخُلْعِ) أَيْ كَإِكْرَاهِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى أَنْ تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ (إذْ يَقَعُ) الطَّلَاقُ إذَا قَبِلَتْ (وَلَا يَلْزَمُهَا) الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَاصِرًا كَانَ أَوْ كَامِلًا يُعْدِمُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الرِّضَا وَالْتِزَامُ الْمَالِ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَقَدْ انْعَدَمَ (بِخِلَافِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>