للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْإِكْرَاهِ (فِي الزَّوْجِ) عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ (يَقَعُ الْخُلْعُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ (وَيَلْزَمُهَا) الْمَالُ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ طَائِعَةً بِإِزَاءِ مَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا لَا يَنْفَسِخُ بَلْ كَانَ قَوْلًا يَنْفَسِخُ (فَسَدَ كَالْبَيْعِ) وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَيَمْنَعُ نَفَاذَهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ النَّفَاذِ وَقَدْ فَاتَ بِهِ فَانْعَقَدَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً صَحَّ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ عَدَمُ الرِّضَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَجَلٍ فَاسِدٍ أَوْ خِيَارٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ إذَا أَسْقُط مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ الْأَجَلُ مَا شُرِطَ لَهُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ جَازَ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ فَكَذَا هَذَا.

(وَالْأَقَارِيرُ) بِمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْمَالِيَّاتِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ عَلَى قِيَامِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارُ فِي ذَاتِهِ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ تَرَجَّحَ صِدْقُهُ بِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ وَإِذَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَفِي الْإِقْرَارِ مُكْرَهًا قَامَتْ قَرِينَةُ عَدَمِ صِدْقِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ وَخَوْفَهُ عَلَى تَلَفِ نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ الْإِكْرَاهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُؤْمِنِ وَوُجُودُ الْمُخْبَرِ بِهِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارِضَةَ إنَّمَا تَنْفِي الْمَدْلُولَ لَا الدَّلِيلَ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى رُجْحَانٌ لِجَانِبِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّكِّ (مَعَ اقْتِصَارِهَا) أَيْ الْأَقَارِيرِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ آلَةً لِلْمُكْرَهِ (أَوْ فِعْلٍ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً) لِلْحَامِلِ عَلَيْهِ (كَالزِّنَا وَأَكْلِ رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الشَّخْصِ وَاطِئًا بِآلَةِ غَيْرِهِ أَوْ آكِلًا أَوْ شَارِبًا بِفَمِ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ (اقْتَصَرَ) حُكْمُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ صَائِمٌ صَائِمًا عَلَى الْأَكْلِ فَسَدَ صَوْمُ الْآكِلِ لَا غَيْرُ (إلَّا الْحَدَّ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُ نِسْبَةِ نَفْسِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْحَامِلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ هُمَا) أَيْ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ (إتْلَافٌ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي لُزُومِهِ الْفَاعِلَ أَوْ الْحَامِلَ) فَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَكْرَهَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ وَإِنْ صَلَحَ آلَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ حَصَلَتْ لِلْمَحْمُولِ فَكَانَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَلِفَتْ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمَحْمُولِ.

وَفِي الْمُحِيطِ أَكْرَهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ جَائِعًا وَحَصَلَتْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ أَكَلَ طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْأَكْلُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَصَارَ قَبْضُهُ مَنْقُولًا إلَى الْحَامِلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا ثُمَّ مَالِكًا لِلطَّعَامِ بِالضَّمَانِ ثُمَّ آذِنًا لَهُ بِالْأَكْلِ (إلَّا مَالَ الْفَاعِلِ) أَيْ إلَّا إذَا أَكْرَهَ الْفَاعِلُ عَلَى أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ حَالَ كَوْنِهِ (جَائِعًا فَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَى الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُ، وَلَمْ يَصِرْ آكِلًا طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ مَا دَامَ الطَّعَامُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي فِيهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ نَفْسِهِ (أَوْ شَبْعَانَ فَعَلَى الْحَامِلِ قِيمَتُهُ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ) أَيْ الْفَاعِلِ (بِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا (وَالْعُقْرُ عَلَى الْفَاعِلِ بِلَا رُجُوعٍ) عَلَى الْحَامِلِ كَمَا ذَكَرْنَا (أَمَّا لَوْ أَتْلَفَهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةَ بِالْوَطْءِ (يَنْبَغِي الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ، وَكَذَا) اقْتَصَرَ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ عَلَى الْفَاعِلِ (إنْ اُحْتُمِلَ) كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ (وَلَزِمَ آلِيَّتُهُ) أَيْ الْفَاعِلِ لِلْحَامِلِ لَازِمٌ هُوَ (تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُخَالَفَةِ الْمُكْرَهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ بُطْلَانَ الْإِكْرَاهِ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْغَيْرِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ الْحَامِلُ وَيَرْضَاهُ عَلَى خِلَافِ رِضَا الْفَاعِلِ وَهُوَ فِعْلٌ مُعَيَّنٌ فَإِذَا فَعَلَ غَيْرَهُ كَانَ طَائِعًا بِالضَّرُورَةِ لَا مُكْرَهًا (كَإِكْرَاهِ الْمُحْرِمِ) مُحْرِمًا آخَرَ (عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَامِلَ إنَّمَا أَكْرَهَهُ (عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ فَلَوْ جَعَلَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>