لِأَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ (الْعُمُومَاتُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ إفَادَتِهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْمَفْعُولِ فَتُعْلَمُ أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا الَّتِي لَا تَنْحَصِرُ بِانْدِرَاجِهَا تَحْتَهَا مِثْلَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ.
(وَلَوْ لَمْ تُفِدْهَا) أَيْ الْعُمُومَاتُ أَحْكَامَ أَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ (ثَبَتَ فِيهَا) أَيْ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَمْ تُفِدْهَا الْعُمُومَاتُ (حُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَلَا خُلُوَّ) لِوَاقِعَةٍ مِنْهَا عَنْ الْحُكْمِ (وَلَا مُمْتَنِعَ عَقْلًا) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّيْدِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ النَّظَّامُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرِيعَتِنَا خَاصَّةً عَلَى مَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّكْلِيفُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ (إذْ لَا يَلْزَمُ إلْزَامُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ (بِحَالٍ) لَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ (وَكَوْنُ الظَّنِّ مَمْنُوعًا عَقْلًا لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ) وَالْقِيَاسُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْخَطَأُ مَحْظُورٌ قَطْعًا وَالْعَقْلُ يُوجِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَحْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِمَنَاطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا (مَمْنُوعٌ) ثُبُوتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ الصَّوَابِ أَمَّا إذَا ظَنَّ وَكَانَ الْخَطَأُ مَرْجُوحًا فَلَا (بَلْ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ غَيْرِ مُتَيَقَّنَةٍ) إذْ مَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْحُصُولِ فَإِنَّ الزَّارِعَ لَا يَزْرَعُ وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ الرِّيعَ وَالتَّاجِرَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ جَازِمٌ بِأَنْ يَرْبَحَ وَالْمُتَعَلِّمَ لَا يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهِ وَهُوَ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُثْمِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَعَلَّمُهُ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ مَظْنُونَةٍ (ظَهَرَ إيجَابُهُ) أَيْ الْعَقْلُ (الْعَمَلُ عِنْدَ ظَنِّ الثَّوَابِ) وَإِنْ أَمِنَ الْخَطَأَ تَحْصِيلًا لِفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ.
(وَثَبَتَ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (شَرْعًا بِتَتَبُّعِ مَوَارِدِهِ) أَيْ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَكَيْفَ لَا وَالْمَظَانُّ الْأَكْثَرِيَّةُ لَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْأَقَلِّيَّةِ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدِلَّتِهَا ظَنِّيَّةٌ (وَثُبُوتُ الْجَمْعِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ عَمْدًا وَخَطَأً فِي الْفِدَاءِ وَبَيْنَ زِنَا الْمُحْصَنِ وَرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) ثُبُوتُ (الْفَرْقِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ) كَقَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَجَلْدِ مَنْ نَسَبَ الْعَفِيفَ إلَى الزِّنَا دُونَ مَنْ نَسَبَ الْمُسْلِمَ إلَى الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُحَرَّمِ إلَى الْغَيْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ التَّكْلِيفِ بِالْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحِيلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ ضِدُّ ذَلِكَ وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ كَمَا ذَكَرَ النَّظَّامُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِجَامِعٍ) اشْتَرَكَتْ فِيهِ وُجِدَ فِي الْكُلِّ يَقَعُ بِهِ (التَّمَاثُلُ) بَيْنَهَا فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَاتِ لَا يُمْنَعُ اجْتِمَاعُهَا فِي صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةٍ وَأَحْكَامٍ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ لِوُجُودِ (فَارِقٍ) بَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ (تَقْتَضِيهِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ إنَّمَا يَجِبُ اشْتِرَاكُهَا فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارِضٌ يَقْتَضِي حُكْمًا غَيْرَهُ وَلَا فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ أَقْوَى يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَكُلٌّ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَالْفَارِقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَلَا) مُمْتَنِعٍ (سَمْعًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْقَاسَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إلَى بَلْدَةٍ بِتُرْكِسْتَانَ (وَالنَّهْرَوَانِيّ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ وَالْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ إنْكَارَ وُقُوعِهِ شَرْعًا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُقُوعِهِ شَرْعًا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا ثُمَّ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ ذِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُومِي إلَيْهَا.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلِذَا لَا يُنْكِرُونَ قِيَاسَ الْأَوْلَى وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ إنْكَارُ وُقُوعِ الْقِيَاسِ بِجُمْلَتِهِ إلَّا عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَاسِيِّينَ إلَى أَنَّ مَا صَارَ الْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَيْسَ قَوْلًا بِالْقِيَاسِ بَلْ هُوَ يَتَتَبَّعُ النَّصَّ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي إنْكَارِهِ جُمْلَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ بِبَعْضِ الْقِيَاسِ انْتَهَى وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الْقَاسَانِيِّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَتَيْنِ كَوْنِ عِلَّةِ الْأَصْلِ مَنْصُوصَةً بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِإِيمَائِهِ وَكَوْنِ الْفَرْعِ بِالْحُكْمِ أَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute