أَيْ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا (بَلْ) إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا (بِخَارِجٍ) هَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْعِلَّةِ أَقْوَى مِنْ عَكْسِهِ وَنَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ (وَدُونَهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (ذَلِكَ) أَيْ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى الْحُكْمِ (فِي لَفْظِ الرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ) كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» «وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ» ) كَمَا أَقَرَّ بِلَفْظِ أَنِّي إفَادَتُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّهُ زَنَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَانْطَلَقَ بِهِ فَرُجِمَ» وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا كَانَ مُلْبِسًا وَمَنْصِبُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ (لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ) لِلرَّاوِي فِي تَصَوُّرِ السَّبَبِيَّةِ (وَلَا يَنْفِي الظُّهُورَ) الْمُفِيدَ لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ حِينَئِذٍ.
(وَقِيلَ هَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ (كَمَا قِيلَ فِي) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا يَعْنِي الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً وَأَنَّهُ إيمَاءٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِتَقْوِيَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْمُخَاطَبُ وَتُرُدِّدَ فِيهَا وَيُسْأَلُ عَنْهَا وَدَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَبِالْجُمْلَةِ كَلِمَةُ إنَّ مَعَ الْفَاءِ أَوْ بِدُونِهَا قَدْ تُورِدُ فِي أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ وَيُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنْ وَالْفَاءِ وَإِيمَاءٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ صَرِيحٌ فَقَالَ (وَإِيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَى الْوَصْفِ فَيُفْهَمُ لُغَةً أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ (عِلَّةٌ لَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ (كَانَ) ذَلِكَ التَّرْتِيبُ (مُسْتَبْعَدًا) مِنْ الْعَارِفِ بِمَوَاقِعِ التَّرَاكِيبِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (إيمَاءُ اللَّفْظِ) مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْفُصُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُفْرَدِ.
(وَلَا يَخُصُّ الشَّارِعُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الشَّارِعِ (أَبْعَدُ) لِنُنَزِّهَ فَصَاحَتَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَلِف مِنْ عَادَتِهِ اعْتِبَارَ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالْأَحْكَامِ دُونَ إلْغَائِهَا فَإِذَا قُرِنَ فِي الشَّرْعِ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ بِالْحُكْمِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ نَظَرًا إلَى عَادَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَظَانِّ بَيَانِ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ (وَلِذَا) أَيْ الِاسْتِبْعَادِ (يَجِبُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (الْمُنَاسَبَةُ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (مِنْ الشَّارِعِ لِلْقَطْعِ بِحِكْمَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَفَسَدَتْ الْجَاهِلُ) إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّارِعِ (وَإِنْ قَضَى بِحُمْقِهِ) أَيْ قَائِلُ هَذَا لَكِنْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَى هَذَا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ حُكْمٌ إلَّا بِحِكْمَةٍ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ قَدْ يَقَعُ بِحِكْمَةٍ وَقَدْ يَقَعُ وَلَا حِكْمَةَ قَالَ وَهُوَ الْحَقُّ انْتَهَى وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوُجُوبِ الْوُجُوبُ تَفَضُّلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْعِلَّةِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّ وَسَنَذْكُرُ فِي ذَيْلِ هَذَا الطَّرِيقِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ مَذَاهِبَ (وَمِنْهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ إذْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ الْفِكْرَ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الْحُكْمِ بِشَغْلِ قَلْبِهِ بِغَيْرِهِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَالْوَصْفُ الْمَذْكُورُ عِلَّةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجَائِعِ وَالْحَاقِنِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ سِوَاهُ كَالْغَضَبِ إذَا كَانَ فَقَدْ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى قُلْت: وَفِي خُرُوجِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ فِيهِ تَشْوِيشَ الْفِكْرِ كَمَا فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذَا ذُكِرَ كِلَاهُمَا إيمَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ ذَكَرَ الْوَصْفَ فَقَطْ كَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) فَإِنَّ الْوَصْفَ وَهُوَ حِلُّ الْبَيْعِ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالْحُكْمَ وَهُوَ الصِّحَّةُ غَيْرُ مَذْكُورٍ بَلْ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ لِأَنَّهُ مَعْنَى عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ كَانَ عَبَثًا وَهُوَ قَبِيحٌ وَالْقَبِيحُ حَرَامٌ فَلَمْ يَكُنْ حَلَالًا فَإِذَا كَانَ حَلَالًا كَانَ صَحِيحًا ضَرُورَةً (أَوْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute