ذَكَرَ (الْحُكْمَ) فَقَطْ (كَأَكْثَرِ) الْعِلَلِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ) نَحْوَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَذْكُورٌ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَالْوَصْفُ وَهُوَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ (فَفِي كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (إيمَاءٌ تَقَدُّمَ عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا إيمَاءٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ ثَلَاثَةُ (مَذَاهِبَ) :
الْأَوَّلُ (نَعَمْ) هُوَ إيمَاءٌ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانٌ) لِلْوَصْفِ بِالْحُكْمِ (مَعَ ذِكْرِهِمَا) أَيْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ (أَوْ) مَعَ ذِكْرِ (أَحَدِهِمَا) وَتَقْدِيرُ الْآخَرِ (وَ) الثَّانِي (لَا) يَكُونُ إيمَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْإِيمَاءَ إنَّمَا يَكُونُ (مَعَ ذِكْرِهِمَا) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْأَمْرَانِ فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ كَلَامُهُمَا فَلَا اقْتِرَانَ وَحَيْثُ لَا اقْتِرَانَ فَلَا إيمَاءَ لِانْتِفَاءِ حَدِّهِ (وَ) الثَّالِثُ (التَّفْصِيلُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْبَدِيعِ (فَمَعَ ذِكْرِ الْوَصْفِ لَا الْحُكْمِ) يَكُونُ الْوَصْفُ إيمَاءً لَا الْحُكْمُ بَلْ بَعْضُهُمْ ادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفُ هُوَ (الْمُسْتَلْزِمُ) لِلْحُكْمِ (فَذِكْرُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (ذِكْرُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (فَيَدُلُّ الْحِلُّ عَلَى الصِّحَّةِ) كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُومَ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الْمَذْكُورِ فَيَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِفَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ كَلَامٍ فِيهِ الْوَصْفُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالِاسْتِلْزَامِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ صَرِيحًا وَالْآخَرُ مُسْتَنْبَطًا مِنْ مَدْلُولِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمٌ لَهَا وَإِثْبَاتُ لَازِمِ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَلْزُومِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ اللَّازِمِ أَعُمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَذْهَبٍ رَابِعٍ هُوَ عَكْسُ هَذَا الثَّالِثِ (مِثَالُ الْمُتَّفَقِ) عَلَيْهِ أَنَّهُ إيمَاءٌ مَا أَخْرَجَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَيْحَك قَالَ وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ مَا أَجِدُ قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ مَا أَجِدُ» الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَاقَعْت أَهْلِي فَقَالَ كَفِّرْ) فَرِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى (وَالْمُسْتَبْعَدُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ (إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ جَوَابِهِ) فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ جِدًّا وَكَيْفَ لَا وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَمَنْعُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ) أَيْ الْبَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ حُكْمٌ (شَرْعِيٌّ) لَا يَقَعُ مِنْ الشَّارِعِ (وَالظَّاهِرُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْوِقَاعِ) لِلْإِعْتَاقِ وَأَخَوَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَكَوْنُهُ) أَيْ انْتِسَابُ الْحُكْمِ إلَى الْوِقَاعِ لَا لِعِلِّيَّةِ عَيْنِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ (لِمَا تَضَمَّنَهُ) الْوِقَاعُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ مَثَلًا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (احْتِمَالُ) غَيْرِ الظَّاهِرِ (وَحَذْفُ بَعْضِ الصِّفَاتِ) الَّذِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِيمَاءِ (وَاسْتِيفَاءُ الْبَاقِي يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ) أَيْ تَلْخِيصُ مَا نَاطَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ أَيْ رَبَطَهُ بِهِ وَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعِلَّةُ عَنْ الزَّوَائِدِ (فِي اصْطِلَاحِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَحَذْفِ أَعْرَابِيَّتِهِ) أَيْ السَّائِلِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَعْرَابِيًّا (وَالْأَهْلِ) إذْ لَا مَدْخَلَ فِي الْعِلَّةِ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ أَعْرَابًا أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَا لِكَوْنِ مَحَلِّ الْوِقَاعِ أَهْلًا لَهُ فَإِنَّ الزِّنَا بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَجْدَرُ تَغْلِيظًا عَلَى الزَّانِي (وَتَزِيدُ الْحَنَفِيَّةُ) عَلَى هَذَا الْحَذْفِ (كَوْنَهُ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُفْطِرِ (وِقَاعًا) لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِهِ فِي الْعِلَّةِ لِمُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ فِي تَفْوِيتِ رُكْنِ الصِّيَامِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ الْخَاصُّ (فَيَبْقَى كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْوِقَاعُ (إفْسَادًا عَمْدًا بِمُشْتَهًى) فَيَكُونُ الْمَنَاطَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِعَمْدِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِمُشْتَهًى كَمَا تَجِبُ بِالْعَمْدِ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ هُوَ النَّظَرُ فِي تَعْيِينِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِحَذْفِ مَا اقْتَرَنَ بِهَا مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ لِلْعِلِّيَّةِ (وَ) يُسَمَّى (النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِهَا) أَيْ بَيَانِ وُجُودِهَا (فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ تَعَرُّفِهَا) أَيْ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا (بِنَصٍّ) كَمَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] وَكَوْنُ هَذِهِ الْجِهَةِ هِيَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ مَظْنُونٌ (أَوْ إجْمَاعٍ) كَالْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا عَدَالَةُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَمَظْنُونَةٌ لِأَنَّ إدْرَاكِ وُجُودِهَا فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَمُوجِبُهُ الظَّنُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute