(تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأُدْرِكَتْ فِي مَحَالِّهَا بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ (كَكَوْنِ هَذَا) الشَّاهِدِ (عَدْلًا فَيُقْبَلُ) قَوْلُهُ أَيْ شَهَادَتُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَلَكِنَّهُ دُونَ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) يُسَمَّى النَّظَرُ (فِي تَعَرُّفِهَا) أَيْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ (لِحُكْمِ نُصَّ عَلَيْهِ) أَوْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ (فَقَطْ) دُونَ عِلَّتِهِ بَلْ إنَّمَا عُرِفَتْ بِاسْتِخْرَاجِ الْمُجْتَهِدِ لَهَا بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ (تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ) كَالِاجْتِهَادِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهَذَا فِي الرُّتْبَة دُونَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِذَا أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ النَّظَرُ فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِنَفْسِهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ أَخَصَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ فَكُلُّ تَخْرِيجِ مَنَاطٍ تَحْقِيقُهُ وَلَيْسَ كُلُّ تَحْقِيقِ مَنَاطٍ تَخْرِيجَهُ.
(وَهُوَ) أَيْ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ (أَعَمُّ مِنْ الْإِخَالَةِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا يَثْبُتُ بِالسَّبْرِ (وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُ (إفَادَةُ مُسَاوَاتِهَا) لِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ لَا بِنَصٍّ وَغَيْرِهِ اهـ (وَعَنْهُ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (نُسِبَ لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَدِيعِ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْإِخَالَةَ وَيَقُولُونَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَاعْتَذَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (عَنْ عَدَمِ ذِكْرِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى النَّصِّ) أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْمُنَاسَبَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا لِمَرْجِعِهِمَا إلَى النَّصِّ بِالْآخِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ حَنَفِيٍّ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا) لَوْلَا تَنْقِيحُ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَنَاطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ كَالْجِمَاعِ فَيُحْذَفُ كَوْنُ الْفَاعِلِ أَعْرَابِيًّا وَكَوْنُ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَتَهُ (مُنِعَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ) أَيْ لَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي جِمَاعٍ هُوَ زِنًا وَنَحْوِهِ (غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَضَعُوا لَهُ) أَيْ لِمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ (اسْمًا اصْطِلَاحِيًّا كَمَا لَمْ يَضَعُوا الْمُنْفَرِدَ) لَمَّا وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ كَمَا وَضَعُوا الْمُشْتَرَكَ لِمَا وُضِعَ لِمَعَانٍ (وَ) لَمْ يَضَعُوا (تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَتَحْقِيقَهُ) أَيْ الْمَنَاطِ (مَعَ الْعَمَلِ بِمَعَانِي الْكُلِّ) غَالِبًا لِنَفْيِهِمْ الْعَمَلَ بِمَا كَانَ مِنْ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ إخَالَةً وَلَوْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكَانَ أَوْلَى (وَكَوْنُ مَرْجِعِ الِاسْتِدْلَالِ إذَا نَقَّحَ النَّصَّ الْمَنَاطَ) كَمَا يُفِيدُهُ اعْتِذَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوَضْعِ بَلْ ذَلِكَ) عَدَمُ الْوَضْعِ (رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِيَارِ) لِذَلِكَ كَالْوَضْعِ.
(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْإِيمَاءُ (اقْتِرَانُ) الْحُكْمِ (بِوَصْفٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (أَوْ نَظِيرُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (عِلَّةً) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (كَانَ) ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ (بَعِيدًا ثُمَّ تَمْثِيلُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ عَنْ وَفَاةِ أَبِيهَا وَعَلَيْهِ الْحَجُّ أَفَيُجْزِيهِ حَجُّهَا عَنْهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ» إلَخْ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِأَنَّ النَّظِيرَ دَيْنُ الْعِبَادِ وَلَيْسَ) دَيْنُ الْعِبَادِ (الْعِلَّةَ) لِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَصْلِ وَدَيْنُ اللَّهِ الْفَرْعُ (بَلْ) الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُهُ بِفِعْلِ الْمُتَبَرِّعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقْضَى (دَيْنًا وَذَكَرَهُ) أَيْ الشَّارِعُ دَيْنَ الْعِبَادِ (لِيَظْهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِكَ) بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ دَيْنًا (الْعِلَّةُ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (وَتَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ (لِلْحَنَفِيَّةِ لِلْعِلَّةِ الْوَاقِعَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا) .
وَهَذَا مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَذَكَرْنَا أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَذَكَرْنَا مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ لِلسُّقُوطِ فِي هَذَا كَوْنُ الْمُقْضَى دَيْنًا (يُسَمَّى مِثْلُهُ) عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ (تَنْبِيهًا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ) فَتَسْمِيَتُهُمْ إيَّاهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْعِبَادِ أَصْلُ الْقِيَاسِ لَا عِلَّتُهُ «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ هَلْ تُفْسِدُ الصَّوْمَ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْته أَكَانَ يُفْسِدُ» وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا بِهَذَا السِّيَاقِ مُخَرَّجًا وَقَدَّمْته بِغَيْرِهِ مُخَرَّجًا فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْعِلَّةَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا فَهُوَ رِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ وَسَأَلْته أَيْ وَالتَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ لِعُمَرَ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute