حِينَئِذٍ مُحْتَاجٌ إلَى خَبَرٍ وَلَعَلَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنِّ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْإِيمَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الشَّارِعَ ذَكَرَ الْوَصْفَ فِي نَظِيرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَهُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ دُونَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالْفَرْعُ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُبْلَةِ.
(وَقِيلَ لَيْسَ) هَذَا الْمِثَالُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالنَّظِيرِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ (إذْ لَا يُنَاسِبُ كَوْنُهُ) أَيْ التَّمَضْمُضِ بِالْمَاءِ (مُقَدِّمَةً) لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ (غَيْرَ مُفْضِيَةٍ) إلَيْهِ (عَدَمُ الْفَسَادِ) لِيَكُونَ التَّمَضْمُضُ عِلَّةَ عَدَمِ إفْسَادِهِ (بَلْ) إنَّمَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْفَسَادِ (وُجُودُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّمَضْمُضُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَتَّفِقُ مَعَهُ الْفِطْرُ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ مَعَهُ (وَوُجُودُ مَا يَتَّفِقُ مَعَهُ) الْفِطْرُ تَارَةً (وَلَا يَتَّفِقُ) مَعَهُ أُخْرَى (لَا يَلْزَمُ عِلَّةً) لِلْفِطْرِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ النَّظِيرُ الْمَذْكُورُ (نَقْضٌ لِوَهْمِهِ) أَيْ عُمَرَ إفْسَادَ مُقَدِّمَةِ الْإِفْسَادِ كَالْإِفْسَادِ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَمِنْهُ) أَيْ الْإِيمَاءِ (أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ وَصْفَيْنِ كَالْمَرَاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ وَصْفَيْنِ هُمَا الرُّجُولِيَّةُ وَالْفُرُوسِيَّةُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ (أَوْ) بِذِكْرِ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَصْفَيْنِ لَا غَيْرُ «كَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ وَإِرْثِهِ فَتَخْصِيصُ الْقَاتِلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْإِرْثِ (بَعْدَ ثُبُوتِ عُمُومِهِ) أَيْ الْإِرْثِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْقَتْلُ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ الْإِرْثِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ الْإِرْثِ الْمَعْلُومِ بِوَصْفِ الْقَتْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ مَنْعِ الْإِرْثِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ لِمَنْعِ الْإِرْثِ لَكَانَ بَعِيدًا (أَوْ) يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا (فِي ضِمْنِ غَايَةٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أَيْ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَلَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢] فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَنْعِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ فِي الْحَيْضِ وَبَيْنَ جَوَازِهِ فِي الْمُطَهِّرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الطُّهْرِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا.
(أَوْ) فِي ضِمْنِ (اسْتِثْنَاءٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] أَيْ الزَّوْجَاتُ عَنْ ذَلِكَ النِّصْفِ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ ثُبُوتِ النِّصْفِ لَهُنَّ وَبَيْنَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ عَفْوِهِنَّ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْعَفْوِ لِلِانْتِفَاءِ لَكَانَ بَعِيدًا (أَوْ) فِي ضِمْنِ (شَرْطٍ) كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ يَدًا بِيَدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ) وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ بَيْعِ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْنَ جَوَازِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الِاخْتِلَافِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا ثُمَّ هَذَا فِي هَذَا الْمِثَالِ (لَوْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ لَمْ تُوجَدْ (الْفَاءُ) فِيهِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] (عَلَى مَا قِيلَ) وَهُوَ مُتَّجَهٌ.
(وَذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي) صِحَّةِ (عِلَلِ الْإِيمَاءِ) ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ (نَعَمْ) يُشْتَرَطُ وَلِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ عَنْ الْحُكْمِ إمَّا وُجُوبًا كَالْمُعْتَزِلَةِ أَوْ تَفْضِيلًا كَغَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَلِ الْمُنَاسِبَةِ فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الِانْقِيَادِ وَأَفْضَى إلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْحَكِيمِ مَا هُوَ أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ (و) الثَّانِي (لَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفْهَمُ بِدُونِهَا.
(وَ) الثَّالِثُ (الْمُخْتَارُ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ (أَنَّ فَهْمَ التَّعْلِيلِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ) كَمَا فِيمَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (اُشْتُرِطَتْ) لِأَنَّ عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ فِيمَا الْمُنَاسَبَةُ شَرْطٌ فِيهِ تَنَاقُضٌ لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ شَرْطِهِ وَعَدَمُهَا بِنَاءً عَلَى الْفَرْضِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَلْ بِغَيْرِهَا مِنْ الطُّرُقِ كَمَا فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ (فَلَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute