الْمَانِعِينَ لِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ اُخْتِيرَ) أَيْ اخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (تَعَيُّنُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالنَّجَاسَةِ) الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِمُنَاسَبَتِهَا الْمَنْعَ مِنْ الْمُلَابَسَةِ تَكْمِيلًا لِمَقْصُودِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ (لَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ (لِأَنَّ) الْحُكْمَ (الشَّرْعِيَّ لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مَفْسَدَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ ابْتِدَاءً.
(وَحَقَّقَ) الْمُحَقِّقُ عَضُدُ الدِّينِ (جَوَازَهَا) أَيْ جَوَازَ كَوْنِ الْعِلَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا عَلَى مَفْسَدَةٍ (لِجَوَازِ اشْتِمَالِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ (عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ) مَرْجُوحَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ (تُدْفَعُ بِحُكْمٍ آخَرَ) شَرْعِيٍّ (كَوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ عَلَى الْإِمَامِ) فَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ هِيَ حِفْظُ النَّسَبِ وَهُوَ حَدٌّ (ثَقِيلٌ يُؤَدِّي) تَكْرَارُ وُقُوعِهِ كَثِيرًا (إلَى مَفْسَدَةِ إتْلَافِ النُّفُوسِ) وَإِيلَامِهَا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ رَجْمٍ كَمَا فِي الْمُحْصَنِ وَجَلْدٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ (فَعُلِّلَ) وُجُوبُ الْحَدِّ (بِوُجُوبِ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ) مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ بِأَنَّ الزَّانِيَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْكَثِيرِ الَّتِي هِيَ الْإِتْلَافُ وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ لِتَبْقَى مَصْلَحَةُ حِفْظِ النَّسَبِ خَالِصَةً (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مَجْمُوعَ صِفَاتٍ وَهِيَ الْمُرَكَّبَةُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَوَازِهِ (فِي الْعَقْلِ وَوَقَعَ) كَوْنُهَا كَذَلِكَ (كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ) لِلْقِصَاصِ.
(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ صِفَاتٍ (لَوْ كَانَ) أَيْ لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (وَالْعِلِّيَّةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ) عَلَى ذَاتِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ صِفَاتٍ (فَقِيَامُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (إنْ) كَانَ (بِجُزْءٍ) وَاحِدٍ مِنْهَا (أَوْ بِكُلِّ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَى حِدَةٍ (فَهُوَ) أَيْ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (الْعِلَّةُ) .
وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِسَائِرِ الْأَجْزَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ قِيَامُ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِمَحَالَّ كَثِيرَةٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي (أَوْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) بِهَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَجْمُوعًا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ (لَمْ تَقُمْ) الْكُلِّيَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا تَكُونُ الْعِلِّيَّةُ قَائِمَةً بِشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَيَعُودُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ جِهَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْمَجْمُوعِ (الْكَلَامُ) فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ (بِقِيَامِهَا) أَيْ بِسَبَبِ قِيَامِهَا بِمَا تَقُومُ بِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ فَنَقُولُ هِيَ قَائِمَةٌ (إمَّا بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ أَوْ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ فَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَحْدَةٍ (فَتَتَحَقَّقُ وَحْدَةٌ أُخْرَى وَيَتَسَلْسَلُ قُلْنَا تَشْكِيكٌ فِي ضَرُورِيٍّ لِلْقَطْعِ بِنَحْوِ خَبَرِيَّةِ الْكَلَامِ) أَيْ بِأَنَّهُ خَبَرٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ أَوْ تَعَجُّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْكَلَامُ (مُتَعَدِّدٌ) لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَكَوْنُهُ خَبَرًا أَوْ غَيْرَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَامَ كَوْنُهُ خَبَرًا مَثَلًا بِكُلِّ حَرْفٍ فَكُلُّ حَرْفٍ خَبَرٌ أَوْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَهُوَ الْخَبَرُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ لِلْمَانِعِينَ (مُغَلِّطَةٌ يَطْرُدُهَا) الْإِمَامُ (الرَّازِيّ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ التَّرْكِيبِ) فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ مَنْشَؤُهَا عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ حَيْثُ تَرْكُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ.
(وَالْحَلُّ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ قَائِمَةٌ (بِالْمَجْمُوعِ) الَّذِي صَارَ وَاحِدًا (بِاعْتِبَارِ جِهَةِ وَحْدَتِهِ الْمُعَيِّنَةِ هَيْئَتَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْدِيدُ ثَانِيًا) فِي تِلْكَ الْوَحْدَةِ (وَلَا وَحْدَةٍ أُخْرَى مَعَ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ صِفَةٌ (اعْتِبَارِيَّةٌ، كَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهَا وَالْمُسْتَدْعِي مَحَلًّا) مَوْجُودًا يَقُومُ بِهِ هِيَ الصِّفَةُ (الْحَقِيقِيَّةُ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ تَكُنْ اعْتِبَارِيَّةً بَلْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً (بَطَلَتْ عِلِّيَّةُ الْوَاحِدِ لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ مَعْنًى وَالْعِلِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ مَعْنًى فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى فَيَتَلَخَّصُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّدِ لِلُزُومِ الْمُحَالِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ صِفَةً زَائِدَةً وُجُودِيَّةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ لِمُحَالٍ لَازِمٍ لِلْمُحَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَبَطَلَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّدِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ مَنْعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّرْعَةَ وَالْبُطْءَ عَرَضَانِ قَائِمَانِ بِالْحَرَكَةِ وَهِيَ عَرَضٌ أَيْضًا (وَجَعْلُهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةِ (صِفَةً لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ (تَعَالَى بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ) أَيْ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً (يَضْعُفُ بِأَنَّهَا) أَيْ الْعِلِّيَّةَ (كَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute