للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهِ فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْعِلَّةِ ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَأَيْضًا رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا بِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ.

وَالرُّجُوعُ عَنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ (وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ) وَالْغَرَضُ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا مُوجِبَ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) تَنَاوُلُ الدَّلِيلِ حُكْمَ الْفَرْعِ (الرُّجُوعَ عَنْ الْقِيَاسِ بَلْ) يَسْتَلْزِمُ (الْإِفَادَةَ) لِلْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (غَيْرَ مُلَاحَظٍ غَيْرَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ النَّصُّ أَيْضًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ إنْ وَضَحَ فِي التَّطْوِيلِ مَقْصِدٌ فِقْهِيٌّ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَكِنَّ الطَّرِيقَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْتَقِلًّا وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَيُلْغَى الثَّانِي فَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ طَرِيقٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ إلَى آخَرَ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَنَازُعٌ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ.

(أَمَّا لَوْ تُنُوزِعَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمُعَلَّلُ لَا يَرَى عُمُومَهُ (فَجَوَازُهُ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ (اتِّفَاقٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (يُثْبِتُ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِهَا (الْعِلِّيَّةَ) لَهَا (ثُمَّ يُعَمِّمُ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ وُجُودِهَا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَسَمَّيْنَا ثَمَّةَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَدْ كَانَ فِي إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ وَذِكْرِ مَا عَدَاهُ فِيمَا سَلَفَ أَوْ هُنَا كِفَايَةٌ (وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كَوْنِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (حُكْمًا شَرْعِيًّا مِثَالُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ) مَا رَوَوْا «عَنْ الْخَثْعَمِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَهَذَا السِّيَاقُ لِحَدِيثِهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَيُجْزِي عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَحُجَّ عَنْهُ» وَلَوْلَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ لَقُلْنَا هَذَا الْمَذْكُورُ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا مِثَالٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَاسَ) إجْزَاءَ الْحَجِّ عَنْهُ بِإِجْزَاءِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ (بِعِلَّةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَقْضِيِّ (دَيْنًا) فَإِنَّهُ فِي قُوَّةٍ يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْعِبَادِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ لُزُومُ أَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قُلْت لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُدَبَّرِ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يُبَاعُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا مَمْلُوكَيْنِ تَعَلَّقَ عِتْقُهُمَا بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ.

(وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا (لِلُزُومِ النَّقْضِ فِي التَّقَدُّمِ) أَيْ تَخَلُّفِ مَا فُرِضَ مَعْلُولًا عَمَّا فُرِضَ عِلَّةً إذَا كَانَ مَا فُرِضَ عِلَّةً مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِلَا بَاعِثٍ فِي التَّأَخُّرِ) لِمَا فُرِضَ عِلَّةً عَلَيْهِ (وَ) لُزُومُ (التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ) أَيْ تَقَارُنِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالْعِلِّيَّةِ مِنْ الْآخَرِ (وَمُنِعَ الْأَخِيرُ) أَيْ لُزُومُ التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ (لِتَمْيِيزِ الْمُنَاسَبَةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ عِلِّيَّةَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَنْتَفِي لُزُومُ التَّحَكُّمِ (وَتَقَدَّمَ مَا فِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِلَا بَاعِثٍ وَلُزُومُ النَّقْضِ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيهَا التَّقَدُّمُ أَوْ التَّخَلُّفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لَا بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي جَوَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>