للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَدَمُ جَوَازٍ (لِلصَّحَابَةِ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ «عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ قَالَتْ كُنْت لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَمَاتَ وَلِي مِنْهُ وَلَدٌ فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ الْآنَ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَتْ أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ جَاءَنِي فَأَتَوْنِي أُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا فَفَعَلُوا فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الرَّازِيّ فِي رِوَايَتِهِ فَفِي ذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ، (الْمُجْمَعِ لِلتَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (مِنْ الْمَنْعِ) وَالْأَحْسَنُ إسْقَاطُ مِنْ عَلَى إبْدَالِ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ (لَا يَنْفُذُ) بَيْعُهُنَّ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ اجْتِهَادِيًّا بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَقَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ فَيُنْتَقَضُ قَضَاؤُهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ مَنْعُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ فَلَا يُنْقَضُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُمَا) فَقَدْ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ نَصًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ يَنْعَقِدُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ كَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ

(وَالْأَظْهَرُ) مِنْ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْفُصُولِ الأسروشنية وَغَيْرِهَا (لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ) فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ (وَفِي الْجَامِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ) إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَإِلَّا بَطَلَ وَكَلَامُ السَّرَخْسِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ وَعَنْهُمَا اشْتَرَطَهُ شَيْخُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ آخِرًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ وَإِلَّا فَلَيْسَ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ كَثِيرٌ مِثَالًا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِأَهْلِ عَصْرٍ سَابِقٍ وَالْأَشْبَهُ ذَلِكَ مَا قَدْ سَمِعْت عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ نَاظَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقُلْت يُبَعْنَ وَقَالَ لَا يُبَعْنَ فَلَمَّا أُفْضِيَ الْأَمْرُ إلَيَّ رَأَيْت أَنْ يُبَعْنَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ عَهِدَ فِي وَصِيَّتِهِ فَقَالَ إنِّي تَرَكْت تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً فَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ فَلْتُقَوَّمْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا، ثُمَّ تَعْتِقْ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ انْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ تَعْتِقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى وِفَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْآخَرُ فِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلَانِ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَا تَرَكْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِيَانِ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. قَالَ لَكِنَّ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ أَتَعْرِفَانِهِ؟ قَالَا نَعَمْ قَالَ قَضَى فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا صَاحِبُهَا مَا عَاشَ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي التَّقْوِيمِ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ لَا يَدُلُّ الْقَوْلُ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِنَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجُهُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ إجْمَاعٌ مُعْتَبَرٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ وَذَكَرَ الْقَاآنِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ (فَالتَّخْرِيجُ لِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْخِلَافِ السَّابِقِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ اللَّاحِقِ (أَنَّ) الْإِجْمَاعَ (الْمَسْبُوقَ) بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ (مُخْتَلَفٌ) فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَالْآخَرُونَ إجْمَاعٌ فِيهِ شُبْهَةٌ

(فَفِيهِ) أَيْ فِي اعْتِبَارِهِ حِينَئِذٍ (شُبْهَةٌ) عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ إجْمَاعًا بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَا يُضَلَّلُ وَإِذَا كَانَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْإِجْمَاعِ شُبْهَةٌ (فَكَذَا مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ فَكَذَا فِي اعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ شُبْهَةً (فَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ نَافِذٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>