للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ بَلْ لِإِجْمَاعٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ فَكَانَ (كَقَضَاءٍ فِي مُجْتَهَدٍ) فِيهِ أَيْ فِي حُكْمٍ مُخْتَلِفٍ فِي اعْتِبَارِهِ فَيَنْفُذُ وَيَصِيرُ لَازِمًا وَمُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فِيهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْأَوَّلِ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَأَنْ اُسْتُقْضِيَتْ امْرَأَةٌ فِي الْحُدُودِ فَقَضَتْ فِيهَا فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ مُخْتَلِفٌ فِيهِ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَصَّافُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ هُوَ الْأَشْبَهُ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا كَمَا فِي مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ لَا فِي نَفْسِ مُتَعَلَّقِهِ فَقَطْ فَيَتَّجِهُ مَا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَعْنِي الْأَوَّلَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ.

(تَنْبِيهٌ) ، ثُمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَحَيْثُ كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِأَحَدِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْآنَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ بَلْ دَائِمًا يُفَوَّضُ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لِيَقْضِيَ عَلَى مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمْ نَقْلًا أَوْ تَخْرِيجًا فَلَوْ وَقَعَ قَضَاءُ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الزَّمَانِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ نَفَّذَهُ ذُو عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ مُقَلِّدَيْهِمْ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.

(لَنَا) عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ (الْأَدِلَّةُ) الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لَهُ (لَا نَفْصِلُ) بَيْنَ مَا سَبَقَهُ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا (قَالُوا) أَيْ الشَّارِطُونَ (لَا يَنْتَفِي الْقَوْلُ بِمَوْتِ قَائِلِهِ حَتَّى جَازَ تَقْلِيدُهُ) أَيْ قَائِلِهِ (وَالْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا يُدَوَّنُ وَيُحَفَّظُ (فَكَانَ) قَوْلُهُ (مُعْتَبَرًا حَالَ اتِّفَاقِ اللَّاحِقِينَ فَلَمْ يَكُونُوا) أَيْ اللَّاحِقُونَ (كُلَّ الْأُمَّةِ) فَلَا إجْمَاعَ (قُلْنَا جَوَازُ ذَلِكَ) أَيْ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ (مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ) جَوَازُهُ (مَا لَمْ يُجْمَعُ عَلَى) الْقَوْلِ (الْآخَرِ) الْمُقَابِلِ لَهُ أَمَّا إذَا أُجْمِعَ عَلَى الْآخَرِ (فَيَنْتَفِي اعْتِبَارُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلِ السَّابِقِ (لَا وُجُودُهُ كَمَا بِالنَّاسِخِ) فَإِنَّ النَّاسِخَ يَنْفِي اعْتِبَارَ الْمَنْسُوخِ لَا وُجُودَهُ فَلَا يَسُوغُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَقْلِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَلَكِنَّهُ نُسِخَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ سَاقِطًا كَقِيَاسٍ نَزَلَ بَعْدَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا سَاقِطًا انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ كَشْفِهِ أَيْ لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا مَعْمُولًا بِهِ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كَنَصٍّ نَزَلَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يُخْرِجُ الْقِيَاسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا هُوَ شَأْنُ النَّاسِخِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّوَاسِخِ نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ بِوَفَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَتْ الْأَحْكَامُ عَنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ الَّذِي تَوَقَّفَ النَّسْخُ عَلَيْهِ بِوَفَاتِهِ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا بَلْ كَانَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَظْهَرُ خَطَؤُهُ أَيْضًا بَلْ يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَأَمَّا الشُّبْهَةُ فَتَزُولُ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْبُطْلَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ شُبْهَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْكَشْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعِيَّةُ النَّسْخِ بِالْوَحْيِ وَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ فِي زَمَانِهِ عَلَى مَا كَانَتْ فَأَمَّا الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ الرَّسُولِ فَيَجُوزُ أَنْ تُنْسَخَ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمٍ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ عَصْرٍ آخَرَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى خِلَافِهِ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادٍ سَنَحَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي النُّصُوصِ وَلَا يُقَالُ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ انْتِهَاءَ مُدَّةِ الْحُكْمِ بِآرَائِهِمْ بَلْ نَقُولُ لَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خِلَافِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ تَبَدُّلَ الْمَصْلَحَةِ وَمُدَّةَ الْحُكْمِ انْتَهَى.

وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مُلَخَّصًا وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْلِيلِ الْفِرْقَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الدَّلِيلِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوهُ مَقْرُونًا

<<  <  ج: ص:  >  >>