الْعِلَّةِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا (وَ) إلَى (قِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنْ يَجْمَعَ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَيْ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْفَارِقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِوَصْفٍ هُوَ الْعِلَّةُ (كَإِلْغَاءِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (أَعْرَابِيًّا وَكَوْنِهَا) أَيْ الْمُجَامَعَةُ (أَهْلًا) لِلْمُجَامِعِ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِ وُقُوعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَهُ الْمُجَابِ بِبَيَانِ الْكَفَّارَةِ (فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ الْمَجَامِعِ غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ (وَبِالزِّنَا وَكَذَا إذَا أَلْغَى الْحَنَفِيُّ كَوْنَهُ) أَيْ الْمُفْطِرِ (جِمَاعًا فَتَجِبُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَمْدِ الْأَكْلِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْإِيمَاءِ (وَلَوْ تَعَرَّضَ) الْقَائِسُ (لِغَيْرِ نَفْيِ الْفَارِقِ مِنْ عِلَّةٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ نَفْيِ الْفَارِقِ (وَكَانَ) نَفْيُ الْفَارِقِ (قَطْعِيًّا خَرَجَ) مِنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ (إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْ) كَانَ نَفْيُ الْفَارِقِ (ظَنِّيًّا فَإِلَى) الْقِيَاسِ (الْخَفِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا) التَّقْسِيمَ (تَقْسِيمٌ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقِيَاسِ إذْ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ.
(وَالْحَنَفِيَّةُ) قَسَّمُوا الْقِيَاسَ (إلَى جَلِيٍّ مَا تَبَادَرَ) أَيْ سَبَقَ إلَى الْأَفْهَامِ (وَ) إلَى (مَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْهُ فَالْأَوَّلُ الْقِيَاسُ وَالثَّانِي الِاسْتِحْسَانُ فَهُوَ) أَيْ الِاسْتِحْسَانُ (الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى) قِيَاسٍ (ظَاهِرٍ مُتَبَادِرٍ وَيُقَالُ) الِاسْتِحْسَانُ (لِمَا هُوَ أَعَمُّ) مِنْ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَيْ (كُلُّ دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ نَصٌّ كَالسَّلَمِ) فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» السَّالِفَ تَخْرِيجُهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ فَتُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَأُقِيمَتْ الذِّمَّةُ مُقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ وَأُورِدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ مُخَصَّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَيْ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَك وَلَا وِلَايَةَ لَك عَلَى بَيْعِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِهِ أُجِيبَ: سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُخَصَّصًا لَهُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ مُوجِبِ قِيَاسِ السَّلَمِ عَلَى سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ بِهَذَا النَّصِّ (أَوْ إجْمَاعٌ كَالِاسْتِصْنَاعِ) أَيْ طَلَبِ صَنْعَةٍ لِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ خُفٍّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِخَفَّافٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا مِنْ جِلْدِ كَذَا صِفَتُهُ كَذَا وَمِقْدَارُهُ كَذَا بِكَذَا وَلَا يَذْكُرُ لَهُ أَجَلًا وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ لِلْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ حَقِيقَةً وَوَصْفًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقِيقَةً وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ وَقَصُرُوا الْجَوَازَ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ التَّعَامُلِ عَلَى أَصْلِهِ وَخُصَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ.
(أَوْ ضَرُورَةً كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ) الْمُتَنَجِّسَةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى طَهَارَتِهَا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مِنْ نَزْحٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ الْمُحْوِجَةُ إلَى ذَلِكَ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى طَهَارَتِهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا وَهُوَ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَلَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ فَمَا يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى يُلَاقِي نَجَسًا مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ قُلْت وَالْحَقُّ أَنَّ تَطْهِيرَ الْآبَارِ لَا يُعَدُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ الْبَعْضِ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ بَلْ قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَسَائِلُ الْآبَارُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ يُفِيدُ أَنَّ تَطْهِيرَهَا مُطْلَقًا مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَمُنْكِرُهُ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ (لَمْ يَدْرِ الْمُرَادَ بِهِ) عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَارِعَ إلَى رَدِّهِ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقَ لُغَةً عَلَى مَا يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَثُرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute