عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا (لِحُكْمِهِ) وَثَمَرَتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ (وَقِيلَ) يَقْتَضِي الْفَسَادَ (لُغَةً وَقِيلَ) يَقْتَضِي الْفَسَادَ (فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ) كَمَا عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ " يَدُلُّ " مَكَانَ " يَقْتَضِي " وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي لَفْظِ الِاقْتِضَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقُبْحَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ قَبِيحًا فَنَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا أَنَّ النَّهْيَ يُوجِبُ قُبْحَهُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْأَشْعَرِيِّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي عَامَّةِ مَا هُنَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَالْحَنَفِيَّةُ كَذَلِكَ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ اعْتِقَادَاتِهِمْ عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ يَكُونُ لِعَيْنِ الْفِعْلِ (فِي الْحِسِّيِّ) وَهُوَ (مَا لَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ) أَيْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَحَقَّقُ حِسًّا مِمَّنْ يَعْلَمُ الشَّرْعَ وَمَنْ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ عَلَى الشَّرْعِ (إلَّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ (لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ) لِلْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ قَائِمٍ بِهِ غَيْرِ مُنْفَكٍّ عَنْهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ لِعَيْنِهِ (أَوْ) أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِوَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْهُ (مُجَاوِرٍ) لَهُ فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ لِعَيْنِهِ (كَنَهْيِ قُرْبَانِ الْحَائِضِ) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ وَطْئِهَا فِي الْحَيْضِ لِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْأَذَى، وَهُوَ مُجَاوِرٌ لِلْوَطْءِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ وَصْفًا لَازِمًا؛ إذْ الْوَطْءُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ كَمَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ (أَمَّا) الْفِعْلُ (الشَّرْعِيُّ) وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ (فَلِغَيْرِهِ) أَيْ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ (وَصْفًا لَازِمًا لِلتَّحْرِيمِ أَوْ كَرَاهَتِهِ) أَيْ التَّحْرِيمِ (بِحَسَبِ الطَّرِيقِ) الْمُوصِلَةِ لَهُ إلَيْنَا مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ (لِلُزُومِ الْمَنْهِيِّ) أَيْ لِلُزُومِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَثَارُ النَّهْيِ بِالْفَرْضِ (كَصَوْمِ) يَوْمِ (الْعِيدِ) فَإِنَّ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الشَّرْعِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ» انْتَهَى. لِمَعْنًى اتَّصَلَ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْأَدَاءِ وَصْفًا لَازِمًا لَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ يَوْمَ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِعِبَادِهِ وَفِي الصِّيَامِ إعْرَاضٌ عَنْهَا فَكَانَ حَرَامًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ مُقْتَضَى اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا إلَى السَّمْعِيِّ الْمَذْكُورِ كَوْنَهُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ (أَوْ) فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَصْفًا (مُجَاوِرًا) لَهُ (مُمْكِنٌ الِانْفِكَاكُ) عَنْهُ (فَالْكَرَاهَةُ وَلَوْ) كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِ النَّهْيِ (قَطْعِيًّا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ) أَيْ أَذَانِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ زَوَالِ شَمْسِ يَوْمِهَا فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] لِغَيْرِهِ (لِتَرْكِ السَّعْيِ) أَيْ لِلْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ الْوَاجِبِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَاوِرٌ لِلْبَيْعِ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ عَنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ بِأَنْ يَتَبَايَعَا فِي الطَّرِيقِ ذَاهِبَيْنِ إلَيْهَا، وَالْإِخْلَالَ بِالسَّعْيِ يُوجَدُ بِدُونِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَمْكُثَا فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ
(فَإِنْ نَافَى) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِلنَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ (الْأَوَّلَ) وَهُوَ النَّهْيُ عَنْهُ لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ (فَبَاطِلٌ) أَيْ فَفِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَاطِلٌ (كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ لَيْسَ حُكْمُهُ) أَيْ النِّكَاحِ (إلَّا الْحِلَّ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ) أَيْ النَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ نِكَاحُهُنَّ بَاطِلًا فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فَالْجَوَابُ لَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ حُكْمَ الْعَقْدِ بَلْ حُكْمَ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَعَدَمُ الْحَدِّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ حُكْمُ الشُّبْهَةِ) أَيْ صُورَةُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ هَذَا، وَعَدَمُ الْحَدِّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَثُبُوتُ النَّسَبِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ثُبُوتَهُ وَوُجُوبَهَا لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَبْتَنِي كِلَاهُمَا عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute