للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ وَعَلَى هَذَا لَا وُرُودَ لِلْإِشْكَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ لِإِيجَابِهِمْ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَيُورَدُ الْإِشْكَالُ بِعَدَمِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا وَهُوَ الْبُطْلَانُ (فِي الْعِبَادَاتِ) سَوَاءٌ كَانَ النَّهْيُ عَنْهَا لِوَصْفٍ مُلَازِمٍ أَوْ لَا، لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَنْتَهِضْ سَبَبًا لِحُكْمِهَا الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ تَحَقَّقَتْ بِوَصْفِ الْبَاطِلِ، إذْ تَصِيرُ عَدِيمَةَ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا بَحْثُ الْمُصَنِّفِ وَاخْتِيَارُهُ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ خِلَافًا لَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ.

(كَصَوْمِ الْعِيدِ) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى مُلَازِمٍ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَانَ بَعْدَ كَوْنِهِ حَرَامًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ بَاطِلًا (لِعَدَمِ الْحِلِّ وَالثَّوَابِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْحِلِّ وَسَبَبِيَّتِهِ لِلثَّوَابِ وَهُوَ الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى عَدَمِ حِلِّ الشُّرُوعِ فِيهِ عَدَمَ لُزُومِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ فَقَالَ (فَوَجَبَ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ (يَتْبَعُهُ) أَيْ حِلَّ ابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ النَّذْرُ بِهِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» لَكِنَّهُ يَصِحُّ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَصِحَّةُ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ) أَيْ نَذْرَهُ (غَيْرُ مُتَعَلِّقِهِ) الَّذِي هُوَ مُبَاشَرَةُ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِيهِ فَصَحَّ (لِيَظْهَرَ) أَثَرُهُ (فِي الْقَضَاءِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ بِهِ تَتْبَعُ وُجُودَ الْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّ شَرْعَ الْمَشْرُوعَاتِ كُلِّهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَفِي تَصْحِيحِ النَّذْرِ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ فَيَحْصُلَ بِهِ فَمَا انْعَقَدَ إلَّا مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ (فَيَجِبُ) عَلَى هَذَا (أَنْ لَا يَبْرَأَ) النَّاذِرُ (بِصَوْمِهِ) لَكِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِخُرُوجِهِ عَنْ نَذْرِهِ بِصِيَامِهِ مَعَ الْعِصْيَانِ لِأَنَّهُ نَذَرَ مَا هُوَ نَاقِصٌ، وَأَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ حِينَئِذٍ يُوجِبُ خَلْفَهُ مِنْ الْقَضَاءِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَزِمَ فِيهَا) أَيْ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ (وُجُوبُ الْأَدَاءِ) لِلْمَنْذُورِ (أَوَّلًا وَجَبَ نَفْيُهَا) أَيْ صِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّا إنَّمَا صَحَّحْنَا حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ لِيَفْعَلَهَا أَمَّا إذَا نَذَرَ بِمَعْصِيَةٍ لَهَا قَضَاءً هُوَ عِبَادَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّرْعِ نَفْيُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» نَفْيُ النَّذْرِ أَنْ يُوجِبَهَا وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ فِي تَصْحِيحِ النَّذْرِ بِصَوْمِ الْعِيدِ الِاعْتِبَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنْ أَبَوْا، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لِصِحَّتِهِ كَوْنُهُ يُوجِبُ أَوَّلًا نَفْسَ الْمَنْذُورِ مَنَعْنَا صِحَّةَ النَّذْرِ حِينَئِذٍ (خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُمَا وُجُوبُ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِصَوْمِهِ إنْ كَانَتْ صِحَّةُ النَّذْرِ لَيْسَتْ إلَّا لِتَظْهَرَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْ صَامَ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ وَصِحَّةِ النَّذْرِ إنْ كَانَ أَثَرُهُ فِي إيجَابِ الْأَدَاءِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ تَصْحِيحُ نَذْرٍ بِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ إطْلَاقِ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي وَلَوْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ هُوَ الْمَسْطُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلْحَدَّادِيِّ: رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَالتَّوْفِيقُ: إذَا عَيَّنَ النَّذْرَ بِيَوْمِ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>