فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى هَذَا، وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَكَانَ الْغَدُ يَوْمَ النَّحْرِ يَلْزَمُ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، اهـ.
قُلْت وَقَدْ رَوَى هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَسَنُ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَيَتَلَخَّصُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَنْعُهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ كَمَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتَّفْصِيلُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ يُوَافِقُهُ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ نَحْرٍ يَقْضِيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ صَرَّحَ بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَقَوْلِهَا: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي - فَلَا يَصِحُّ - وَغَدًا، وَهُوَ يَوْمُ حَيْضِهَا، فَيَصِحُّ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَزْوُ هَذَا إلَى أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ ثُمَّ تَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يُوجِبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ فَكَذَا هَذَا كَمَا فِي شَرْحِ الْحَدَّادِيِّ غَيْرُ وَجِيهٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَأَوْجَهُ مِنْهُ مَا قِيلَ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ مَحِلُّهُ.
وَاعْتِرَاضُ الْحَيْضِ مَنَعَ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ عِنْدَ صُدُورِ النَّذْرِ، وَصَارَ كَنَذْرِهَا صَوْمَ غَدٍ فَجُنَّتْ يَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ أَوْ صَوْمَ غَدٍ، وَهِيَ حَائِضٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِتَصَوُّرِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ " يَوْمَ حَيْضِي " لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ إلَى مَحِلِّهِ شَرْعًا.
قُلْت: عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَتِمُّ هَذَا الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْضَ لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ فِي غَدٍ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ عَادَتِهَا بِخِلَافِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا نَذَرَ صِيَامَهَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُحَقَّقَةُ الْوُقُوعِ فِي غَدٍ وَنَحْوِهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ شَرْعًا تَعَيُّنُهَا لِذَلِكَ وَقْتَ النَّذْرِ، ثُمَّ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَذْرِهَا صَوْمَ يَوْمِ حَيْضِهَا إنَّ الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَصْلًا لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ كَالرَّجُلِ يَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا أَكَلْت فِيهِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يُعَرَّى عَنْ تَأَمُّلٍ.
(وَمَا خَالَفَ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ بُطْلَانِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا نَهْيُ التَّحْرِيمِ (فَلِدَلِيلٍ كَالصَّلَاةِ) النَّافِلَةِ (فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى ظَنِّهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْيِ الْمُحَرِّمِ أَوْ الْمُوجِبِ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» .
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " عَلَى ظَنِّهِمْ " إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَنِّهِمْ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَاصِلُ وَجْهِ ظَنِّهِمْ أَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمُسَمَّى الصَّلَاةِ، وَمُسَمَّاهَا مَجْمُوعُ الْأَرْكَانِ وَبِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ لَا تَتَحَقَّقُ الْأَرْكَانُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِيهِ لِيَلْزَمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ مُسَمَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْأَرْكَانِ لَا يَقْتَضِي) إفْسَادُهَا (وُجُوبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ (بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَالثَّابِتُ نَقِيضُهُ) أَيْ نَقِيضُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْإِتْمَامِ (وَيَلْزَمُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute