أَنَّ هَذَا التَّلَازُمَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالسُّنَّةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَرْغِيبًا يَكُونُ قَرِيبًا إلَى الْوُجُوبِ، وَقَالَ يَحْتَمِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذَا الْقَوْلُ نَصًّا عَنْ السَّلَفِ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ اقْتَضَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَقْوَالِ النَّاسِ فِي حُكْمِ النَّهْيِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ كَمَا وَقَفْت عَلَى حُكْمِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ ضِدُّ الْأَمْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ عَلَى حَسَبِ أَقْوَالِهِمْ فِي الْأَمْرِ، وَالنَّهْيُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْمُتَّحِدِ، وَإِلَّا فَبِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ مِنْ أَضْدَادِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ ذُو ضِدٍّ مُتَّحِدٍ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلُبْسِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَاجِبًا لَا سُنَّةً عَلَى أَنَّ كَوْنَ لُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ضِدًّا لِلُبْسِ الْمَخِيطِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذَا لُوحِظَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُفِيدُ حُكْمَ لُبْسِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ضِدٍّ لَمْ يُقْصَدْ بِأَمْرٍ وَهَذَا قَدْ قُصِدَ بِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» إلَّا أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا النَّهْيُ فَالنَّفْسِيُّ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ) فَخَرَجَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ) فَخَرَجَ الِالْتِمَاسُ وَالدُّعَاءُ (وَإِيرَادُ: كُفَّ نَفْسَكَ) عَنْ كَذَا عَلَى طَرْدِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرُ جَوَابِهِ (إنْ كَانَ) الْمُرَادُ بِهِ (لَفْظَهُ فَالْكَلَامُ فِي النَّفْسِيِّ) فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ الْمُرَادُ (مَعْنَاهُ الْتَزَمْنَاهُ نَهْيًا) نَفْسِيًّا فَلَا يَقْدَحُ دُخُولُهُ فِي طَرْدِهِ بَلْ هُوَ مُحَقِّقٌ لَهُ (وَكَذَا مَعْنَى اُطْلُبْ الْكَفَّ) نَهْيٌ نَفْسِيٌّ (لِوَحْدَةِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ) أَيْ كُفَّ نَفْسَك، أَوْ اُطْلُبْ الْكَفَّ، وَكَذَا اُتْرُكْ كَذَا وَأَنَا طَالِبٌ كَفَّك إذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَالَّةٌ عَلَى قِيَامِ طَلَبِ الْكَفِّ بِالْقَائِلِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْكَفُّ هُوَ (النَّهْيُ النَّفْسِيُّ وَاللَّفْظِيُّ وَهُوَ غَرَضُ الْأُصُولِيِّ) لِأَنَّ بَحْثَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمَ بِأَحْوَالِهَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ (مَبْنَى تَعْرِيفِهِ أَنَّ لِذَلِكَ الطَّلَبِ صِيغَةً تَخُصُّهُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً (وَفِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ لَهُ صِيغَةً تَخُصُّهُ مِنْ الْخِلَافِ (مَا فِي الْأَمْرِ) وَالصَّحِيحُ فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ تَعْرِيفِ النَّهْيِ اللَّفْظِيِّ (ذِكْرُ مَا يُعَيِّنُهَا) أَيْ مَا يُمَيِّزُ تِلْكَ الصِّيغَةَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّيَغِ (فَسُمِّيَتْ) الْمَذْكُورَاتُ لِذَلِكَ (حُدُودًا وَالْأَصَحُّ) فِي تَعْرِيفِهِ (لَا تَفْعَلْ أَوْ اسْمُهُ كَمَهْ حَتْمًا اسْتِعْلَاءً) وَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَفْعَلْ نَهْيٌ لَفْظِيٌّ، وَأَمَّا زِيَادَةُ أَوْ اسْمُ لَا تَفْعَلْ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَهْ فَلِأَنَّهُ اسْمُ لَا تَكْفُفْ، وَهُوَ وَ " لَا تَفْعَلْ " وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا حَتْمًا فَلِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَيْسَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute