وَهُوَ ظَنٌّ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ التَّرْكِ، وَأَوَامِرُ النَّدْبِ تَسْتَغْرِقُ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ اسْتَلْزَمَتْ كَرَاهَةَ أَضْدَادِ الْمَنْدُوبَاتِ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ الْمُبَاحَاتُ الْمُضَادَّةُ لَهَا بِخِلَافِ أَوَامِرِ الْإِيجَابِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَمْنَعُ الْمُبَاحَاتِ الْمُضَادَّةَ لِلْوَاجِبَاتِ فِي وَقْتِ لُزُومِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً، وَتَبْقَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُبَاحَةً فَلَا يَنْتَفِي الْمُبَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَعَلِمْت مَرْجِعَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى الْعَامَّةِ) فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا فِيهِ
(وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَثَّلَ بِهِ لِكَرَاهَةِ الضِّدِّ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ الصَّلَاةِ لَا يَفُوتُ بِالْقُعُودِ فِيهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ (وَيُكْرَهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بَلْ مَبْنَى الْكَرَاهَةِ خَارِجٌ هُوَ التَّأْخِيرُ) لِلْقِيَامِ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتٍ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْقُعُودُ فِيهَا مُفَوِّتًا لِأَمْرِ الْقِيَامِ (فَسَدَتْ) وَكَانَ ذَلِكَ الْقُعُودُ حَرَامًا (وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِالصِّحَّةِ فِيمَنْ سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فِي الصَّلَاةِ وَأَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ) لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ سُجُودَهُ عَلَى نَجِسٍ (تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ وَقْتِهَا لَا تَفْوِيتٌ) لَهَا (وَهُوَ) أَيْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا (مَكْرُوهٌ وَفَسَدَتْ) الصَّلَاةُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (لِلتَّفْوِيتِ) لِأَمْرِ الطَّهَارَةِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ) وَصْفٌ (مَفْرُوضُ الدَّوَامِ) فِي جَمِيعِهَا فَاسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ مَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَقْصُودِ بِالْأَمْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَحْقِيقًا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَقْدِيرًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ الْوَجْهِ يَصِيرُ وَضْعًا لِلْوَجْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْأَرْضِ وَلُصُوقَهُ بِهَا يُصَيِّرُ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْأَرْضِ وَصْفًا لَهُ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا مَذْكُورَةٌ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَابَعِيهِمَا وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمَجْمَعِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُجْزِئُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ السُّجُودَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّ السُّجُودَ فِي الصَّلَاةِ كَالْقِيَامِ فَكَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ فَكَذَا السُّجُودُ.
وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَاسْتِعْمَالُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ جَازَ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى النَّجَاسَةِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا مَا إذَا افْتَتَحَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ ثُمَّ نَقَلَ قَدَمَهُ إلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ حَتَّى يَصِيرَ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ الَّذِي إذَا زِيدَ فِي الصَّلَاةِ أَفْسَدَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا قَوْلُهُ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (النَّهْيُ يُوجِبُ فِي أَحَدِ الْأَضْدَادِ السُّنِّيَّةَ كَنَهْيِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْمَخِيطِ، سُنَّ لَهُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ فَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ عَنْ وَجْهِ الِاسْتِلْزَامِ) قُلْت وَفِي هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ لَفْظَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَهَلْ لَهُ حُكْمٌ فِي ضِدِّهِ فَسَاقَ مَا سَاقَ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ وَاجِبَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْتَضِيَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَيْ كَوْنُ الضِّدِّ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ إذَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ النَّهْيَ الثَّابِتَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ لَمَّا اقْتَضَى الْكَرَاهَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ بِدَرَجَةٍ وَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ النَّهْيِ سُنِّيَّةَ الضِّدِّ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْوَاجِبِ بِدَرَجَةٍ اعْتِبَارًا لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَغَيْرُ خَافٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute