وَالْحَجِّ) وَالتَّبَرُّعَاتِ وَبَعْضِ الْأَقَارِيرِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْخِطَابِ بِمُفِيدِهَا لِتَنَاوُلِهِمْ (فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا أَيْ مُرَادًا كَانَ تَخْصِيصًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (فَتَجُوزُ بِالتَّخْصِيصِ عَنْ النَّسْخِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَعَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَانَ خُرُوجًا مِنْ هَذَا الْخِطَابِ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بَعْدَ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُمْ كَانَ تَخْصِيصًا أَخَفُّ الْأَحْوَالِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا أَوْ تَسَاهُلًا وَحِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْجَوَابُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ بِدَلِيلٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ لِدَلِيلٍ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ ثُمَّ نَسْخُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَبْدِ (وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّازِمَ التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ بِدَلِيلِهِ لَا النَّسْخُ) .
يَعْنِي أَنَّ اللَّازِمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي الْإِرَادَةِ لَيْسَ إلَّا التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْعَامِّ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا مِنْهُ وَاللَّازِمُ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَيْثُ قَالُوا خَرَجَ فَلَوْ أُرِيدَ كَانَ تَخْصِيصًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ ثُمَّ أُخْرِجَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ تَخْصِيصًا خَطَأٌ عَلَى مَا هُوَ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا قَامَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجِ فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ قَامَ فَكَانَ خُرُوجُهُمْ تَخْصِيصًا لَهُمْ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ وَبِهِ ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَادُوا بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ أَنَّهُمْ أُرِيدُوا ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُمْ خَصُّوا وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ خُصُّوا وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَدْ يُقَرَّرُ) الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا (دَلَّ) (عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فِي بَعْضِهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (وَعَلَيْهَا فِي بَعْضِهَا) أَيْ وَعَلَى إرَادَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (فَالْمُثْبَتُ يُعْتَبَرُ بِالتَّنَاوُلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُطَابَقَتُهُ) أَيْ التَّنَاوُلِ (الْإِرَادَةَ وَالنَّافِي عَرْضُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَتَوَقَّفَ دُخُولُهُمْ إلَى الدَّلِيلِ أَوْ قَامَ) الدَّلِيلُ (عَلَى عَدَمِهَا) أَيْ الْإِرَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ الْقَائِمُ عَلَى عَدَمِهَا (مَالِكِيَّةُ السَّيِّدِ لَهَا) أَيْ مَنَافِعِهِ.
(وَالرَّازِيُّ يَمْنَعُهُ) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِمْ (فِي حُقُوقِهِ) تَعَالَى (وَالدَّلِيلُ) عَلَى إرَادَتِهِمْ فِيهَا (الْأَكْثَرِيَّةُ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْكَامِ الْخِطَابِ الَّتِي فِي حَقِّ اللَّهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فِيهَا فَنِسْبَةُ دُخُولِهِ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللُّغَةِ، وَخُرُوجُهُ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمُخَالَفَةِ الظَّاهِرَةِ (فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ) بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَغَيْرِهِ (وَانْتَظَمَ مَنْعُ عُمُومِ مَمْلُوكِيَّةِ مَنَافِعِهِ) لِلسَّيِّدِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ قَدْ اسْتَثْنَى وَقْتَ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ حِينَ تَضَايَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَطَاعَهُ لَفَاتَتْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَعَدَمُ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى السَّيِّدِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ فِيهِ (فَانْدَفَعَ الْأَوَّلُ) أَيْ التَّنَاقُضُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَنَافِعِهِ لِمَالِكِهِ، وَتَنَاوَلَ الْخِطَابُ لَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْوَقْتَيْنِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةُ خِطَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - الْعَامِّ كَيَا عِبَادِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ شَمِلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرَادَتُهُ كَمَا تَنَاوَلَهُ لُغَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مَصْدَرًا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَبَلِّغْ أَوَّلًا، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشَمْلِهِ إرَادَتَهُ (وَقِيلَ لَا) يَشْمَلُهُ إرَادَتُهُ (لِأَنَّ كَوْنَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُبَلِّغَهُ) أَيْ الْخِطَابِ لِلْأُمَّةِ (مَانِعٌ) مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ مُبَلِّغًا وَمُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ (وَلِذَا) الْمَانِعُ مِنْ شُمُولِ إرَادَتِهِ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ (خَرَجَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا (كَسُنِّيَّةِ الضُّحَى) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْبَهِ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute