أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ فَإِنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ بَلْ وَجَاءَ مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَا يُعَارِضُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.
(وَحِلُّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَشْرِيفًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَلَا يَقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ تَحْرِيمُهَا عَلَى آلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ فَالْخَاصَّةُ عَائِدَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْأَخْذِ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ) أَيْ وَحِلُّ تَزَوُّجِهِ بِمَا فَوْقَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى التِّسْعِ فَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَنْ أَنَسٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ إلَّا ذَاتُ مَحْرَمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ. (وَالْجَوَابُ الْمُبَلِّغُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشْمُولًا بِهَا لِيُسْمِعَهُمْ إيَّاهَا) ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَاكٍ تَبْلِيغَ جِبْرِيلَ الْخِطَابَ الَّذِي هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ (فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهِ، وَهُوَ مَشْمُولٌ بِهِ لُغَةً فَمَا تَحَقَّقَ خُرُوجُهُ مِنْهُ لَزِمَ كَوْنُهُ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ، فَتَفْصِيلُ الْحَلِيمِيِّ) وَالصَّيْرَفِيِّ (بَيْنَ أَنْ يَكُونَ) الْخِطَابُ الْعَامُّ (مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ كَقُلْ يَا عِبَادِي فَيَمْنَعُ) شُمُولُهُ إيَّاهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ (فَلَا) يَمْنَعُ (مُنْتَفٍ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَجَابَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ مُقَدَّرَةٌ بِنَحْوِ قُلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَحْثًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ مَا أَنُزِلَ إلَيْهِ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٠٤] لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ لِلْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ سَيُوجَدُونَ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ (بِخَارِجٍ) مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ عُلِّقَ بِالْمَوْجُودِينَ حُكْمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو الْيُسْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ) أَيْ الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (خِطَابٌ لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَيْضًا (لَنَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ لَهُمْ (لُغَةً) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَإِنْكَارُهُ مُكَابَرَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ حَقٌّ (قَالُوا لَمْ تَزَلْ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (عَلَى الْمَوْجُودِينَ) فِي أَعْصَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعُمُومِ لَهُمْ (أُجِيبَ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِتَنَاوُلِهِمْ) أَيْ لِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ إيَّاهُمْ (لِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِعِلْمِهِمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ (بِثُبُوتِ حُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ) أَيْ بِالْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَيُذْكَرُ لِبَيَانِ عُمُومِ الْحُكْمِ لَهُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأُولَئِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْخِطَابِ.
(وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَئِذٍ (لَمْ يَكُنْ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute