للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مُرْسَلًا إلَيْهِمْ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرْسَالِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ بَلِّغْ أَحْكَامِي وَلَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ (فَظَاهِرُ الضَّعْفِ) لِلْمَنْعِ الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ لَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي هِيَ خِطَابُ الْمُشَافَهَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّبْلِيغِ الْمُشَافَهَةُ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحُصُولِهِ لِلْبَعْضِ شِفَاهًا وَلِلْبَعْضِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الَّذِينَ شَافَهَهُمْ.

(وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا نُصِرَ الْخِطَابُ فِي الْأَزَلِ لِلْمَعْدُومِ) ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ الْآتِيَةِ صَدَرَ الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي نَصْرُهُ فِيهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْأَزَلُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ (وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظْمَ الْقُرْآنِيَّ يُحَازِي دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَى (الْقَائِمِ بِهِ تَعَالَى قَوِيَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ: ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ قَرِيبٌ (وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُوجَدُ بِشَرَائِطِ التَّكْلِيفِ يُوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الْأَزَلِ بِمَا يَفْهَمُهُ وَيَفْعَلُهُ فِيمَا لَا يَزَالُ. (وَالْكَلَامُ فِي النَّظْمِ الْخَالِي عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَهُوَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْغَيْرِ لِلتَّفْهِيمِ، وَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُخَاطَبِ فَيَقْوَى قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيَبْعُدُ كَوْنُ الْحَقِّ عُمُومَ التَّنَاوُلِ لَفْظًا بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ وَقُرْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةُ الْمُخَاطِبِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١] وَأَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك وَلَا تُهِنْهُ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أَكْرَمَ غَيْرَهُ كَانَ الْغَيْرُ مَأْمُورًا بِإِكْرَامِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إهَانَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَقِيلَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (الْمُخَاطَبَ يُخْرِجُهُ) مِنْ ذَلِكَ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، وَأَمَّا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ) ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ قَرَّرَ وَجْهًا لِلْمَانِعِينَ لِدُخُولِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاخِلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ وَجْهِ الْمُلَازَمَةِ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ ظَاهِرٌ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ خَلْقِ الْقَدِيمِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ.

قُلْتُ: عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْمُعِينِ النَّسَفِيَّ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِ بِهَذَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ خُرُوجَ مَا يُوجِبُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِقَضِيَّةِ اللُّغَةِ دُخُولُهُ فِيهِ هُوَ التَّخْصِيصُ دُونَ خُرُوجِ مَا لَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ دُخُولَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ لَا يُفْهَمُ دُخُولُهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْءَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ تَعَيُّنِ الْبَعْضِ مُرَادًا يَخْرُجُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ حُكْمِ الْخِطَابِ وَلَا يُعَدُّ تَخْصِيصًا وَقَدْ تَعَيَّنَ الْبَعْضُ الَّذِي هُوَ الْحَادِثُ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: الشَّيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ شَاءَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى شَاءَ تَارَةً وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا قَالَ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ} [الأنعام: ١٩] وَبِمَعْنَى مُشِيءٍ أُخْرَى أَيْ مُشِيءٌ وُجُودَهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٠] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] فَهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا بِلَا مَثْنَوِيَّةٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا قَالُوا الشَّيْءُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ، وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ أَوْ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُجْبَرَ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْمُمْتَنِعَ أَيْضًا لَزِمَهُمْ التَّخْصِيصُ بِالْمُمْكِنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ انْتَهَى، وَحِينَئِذٍ فَالتَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمَانِعِينَ إنَّمَا يَتَّجِهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>