للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ (لِعَدَمِ رُكْنِيَّةِ الِاعْتِقَادِ) أَيْ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْلِ وَهُوَ عَدِيمُهُ (لَا حَجْرًا) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ (بِخِلَافِ) الْإِسْلَامِ (التَّبَعِ) أَيْ التَّابِعِ لِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا (لَيْسَ) الِاعْتِقَادُ فِيهِ (رُكْنًا وَلَا شَرْطًا لَهُ وَإِنَّمَا عَرَضَ) عَلَى وَلِيِّهِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ (دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا إذْ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُونِ (نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ) فَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ بِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ لِقُدْرَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْوَطْءِ ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَعْرِضُ عَلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ لِعَقْلِهِ حَدًّا مَعْلُومًا) وَهُوَ الْبُلُوغُ فَيُنْتَظَرُ فَإِذَا بَلَغَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ.

(وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ لِمَا ذُكِرَ (وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ وَلَحَاقِهِمَا بِهِ) أَيْ بِالْمَجْنُونِ بِدَارِ الْحَرْبِ (إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِوَاسِطَةِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَقَدْ ثَبَتَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمَا فَيَزُولُ بِزَوَالِ مَا يَتْبَعُهُ ثُمَّ كَوْنُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَارْتِدَادَهُ وَلُحُوقَهُ مَعَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَافٍ فِي ارْتِدَادِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا لِظُهُورِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ بِزَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَلَفِ عَنْهُمَا (أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ) قَبْلَ الْبُلُوغِ (فَارْتَدَّا أَوْ لَحِقَا بِهِ) بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ رُكْنِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْ عُرُوضِ الْجُنُونِ ثُمَّ قَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ (إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ) وَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْفِعْلُ لَا مُقَابِلُ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ (أَيْ الْفِعْلِ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ) حَيْثُ قَالَ: وَالتَّكْلِيفُ رَحْمَةٌ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ فَضْلًا (انْتَفَى) أَصْلُ الْوُجُوبِ (لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ) مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْأَصْلِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَطْفٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا أَيْ وَكَذَا الْجُنُونُ الْأَصْلِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ الطَّارِئِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي السِّقَاطِ كَمَا فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَهُمَا بِالْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ (إنَاطَةً لِلْإِسْقَاطِ بِكُلٍّ مِنْ الِامْتِدَادِ وَالْأَصَالَةِ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَصْحَابِنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَالزَّاهِدُ الصَّفَّارُ.

(وَخَصَّهُ) أَيْ الْإِسْقَاطَ (أَبُو يُوسُفَ بِالِامْتِدَادِ) لَا غَيْرُ فِيهِمَا فَأَسْقَطَ عِنْدَهُ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا دُونَ غَيْرِهِ وَنَصَّ فِي طَرِيقَةِ أَبِي الْمُعِينِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هَكَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا (وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ) وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَنَاطَ الْإِسْقَاطَ بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمَ الْإِسْقَاطِ بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ وَسَوَّى فِي الْأَصْلِيِّ فِي الْإِسْقَاطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا أَوْ لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَشْفِ الْمَنَارِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ التَّقْرِيرِ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ لِشَرْحِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِلْمُصَنِّفِ هُنَا حَاشِيَةٌ لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُوَافِقُ شَرْحَ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُنُونِ الْحُدُوثُ إذْ السَّلَامَةُ عَنْ الْآفَاتِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْجِبِلَّةِ فَتَكُونُ أَصَالَةُ الْجُنُونِ أَمْرًا عَارِضًا فَيُلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجُنُونُ الطَّارِئُ ثَانِيهِمَا أَنَّ زَوَالَ الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُصُولَهُ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فَكَانَ مِثْلَ الطَّارِئِ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَمْرَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا الطَّرَيَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَّحَ الْعُرُوضَ فَجُعِلَ عَفْوًا عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِدَادِ إلْحَاقًا بِسَائِرِ الْعَوَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَزَالَ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصِّغَرِ فَلَا يُوجِبُ قَضَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>