(لَا يَصِحُّ) الصَّلَاةُ (وَيَسْقُطُ) الطَّلَبُ (لَنَا الْقَطْعُ فِيمَنْ أَمَرَ بِخِيَاطَةٍ لَا فِي مَكَانِ كَذَا فَخَاطَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (إنَّهُ مُطِيعٌ عَاصٍ لِلْجِهَتَيْنِ) أَيْ مُطِيعٌ لِجِهَةِ الْأَمْرِ بِالْخِيَاطَةِ عَاصٍ لِجِهَةِ النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ مُطِيعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَاةٌ عَاصِيًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَصْبٌ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ اجْتِمَاعَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ (لَوْ امْتَنَعَ فَلِاتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِمَا (وَالْقَطْعِ بِالتَّعَدُّدِ) هُنَا (فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الصَّلَاةُ وَ) مُتَعَلِّقَ (النَّهْيِ الْغَصْبُ جَمَعَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ (مَعَ إمْكَانِ الِانْفِكَاكِ) بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ.
(وَأَيْضًا لَوْ امْتَنَعَ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (امْتَنَعَ صِحَّةُ صَوْمٍ مَكْرُوهٍ وَصَلَاةٍ) مَكْرُوهَةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يُضَادُّ التَّحْرِيمَ يُضَادُّ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ التَّحْرِيمِ لَمَا ثَبَتَ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا مَانِعَ إلَّا التَّضَادُّ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ كَرَاهَةِ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ شَرْعًا (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (بِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُمَا (الْكَوْنُ فِي الْحَيِّزِ) وَهُوَ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي حَيِّزِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَنَفْسُ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ (بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ) مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنْ فُرِضَ) الْمَكْرُوهُ (كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ مُتَّحِدٌ (مَنَعَ صِحَّتَهُ) أَيْ الْمَكْرُوهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ اتِّحَادُهُ (لَمْ يُفِدْ) ثُبُوتُ الْمَكْرُوهِ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ أَيْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى وَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ مُوجِبٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَالنَّهْيَ إلَى عَرَضٍ مُفَارِقِ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا هُوَ ذَاتِيٌّ فِيهَا مُوجِبًا لِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهُمَا رَاجِعَانِ إلَى الْكَوْنِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَدَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يُنَاقِضُ جَوَابَهُمْ الْآتِيَ) وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ.
(بَلْ لَيْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَكْرُوهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ (تَحَتُّمُ مَنْعٍ) قَطْعِيٍّ (فَلَا يُنَافِي) الْمَنْعُ مِنْهُمَا (الصِّحَّةَ) لَهُمَا (فَالْمَانِعُ) مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَاحِدٍ شَخْصِيٍّ ذِي جِهَتَيْنِ (خُصُوصُ تَضَادٍّ) وَهُوَ الْمَنْعُ الْحَتْمُ الْقَطْعِيُّ عَنْ الشَّيْءِ وَالْأَمْرِ بِهِ (لَا مُطْلَقُهُ) أَيْ التَّضَادِّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْمُخْتَارِ.
(لَوْ لَمْ تَصِحَّ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (لَمْ يَسْقُطْ) التَّكْلِيفُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ سُقُوطِهِ (مُنْتَفٍ) قَالَ الْقَاضِي (لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ) عَلَى وُجُودِ أَحْمَدَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى سُقُوطِهِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ الِاسْتِدْلَال مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (دُفِعَ بِمَنْعِ صِحَّةِ نَقْلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِمُخَالَفَةِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَعَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ زَمَانًا مِنْ السَّلَفِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَمَا خَالَفَهُ فَكَانَ خِلَافُهُ مُظْهِرًا لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لَا مُوجِبًا لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ (قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ (لَوْ صَحَّتْ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (كَانَ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً (مَعَ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَهُمَا) أَيْ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ (شَغْلُ حَيِّزٍ) فَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا (وَشَغْلُهُ) أَيْ الْحَيِّزِ ظُلْمًا (الْغَصْبَ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (أُجِيبُ بِأَنَّهُ) أَيْ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ (بِجِهَتَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَلَاةٌ وَيُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ) فَهُوَ إذًا مُتَعَدِّدٌ بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنْ اتَّحَدَ بِالذَّاتِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّفْعِ يُنَاقِضُهُ.
(وَأَلْزَمَ) عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْجِهَةِ كَافٍ (صِحَّةَ صَوْمِ) يَوْمِ (الْعِيدِ) لِكَوْنِ صَوْمِهِ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ (وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْفِكَاكُهُمَا) أَيْ إنَّمَا نَقُولُ بِجَوَازِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ جَوَازِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ يَعْنِي بِأَنْ لَا تَتَلَازَمَ جِهَتَا الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْخِلَافِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جِهَةِ الصَّلَاتِيَّةِ وَالْغَصْبِيَّةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى فَتَتَحَقَّقُ صَلَاةٌ وَلَا غَصْبَ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا بِلُحُوقِ الْإِذْنِ وَغَصْبٌ وَلَا صَلَاةَ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْمُجَوِّزَ وَهُوَ جِهَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute