مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَقٌّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّرَ هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِهِ ثُمَّ نَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ.
فَنَقُولُ الِاشْتِقَاقُ اصْطِلَاحًا يُقَالُ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وِفَاقًا لَلْبَصْرِيِّينَ مُوَافَقَةُ غَيْرِ مَصْدَرٍ لَهُ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ كَضَرْبٍ وَضَارِبٍ فَالْمَصْدَرُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ وَالْآخَرُ مُشْتَقٌّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مِنْ الْوَاضِحِ اُحْتِيجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لَا إلَى عَمَلِهِ فَعُرِفَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ فَيُقَالُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ بَيْنَ مَصْدَرٍ وَغَيْرِهِ مُوَافَقَةٌ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيُعْرَفُ ارْتِدَادُ غَيْرِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَصْدَرِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاجُ إلَى عَمَلِهِ عُرِفَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَيُقَالُ هُوَ أَخْذُ لَفْظٍ مِنْ مَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا مُوَافَقَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مَعَ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعْنَى كَجَذْبٍ وَالْجَبْذِ ثَالِثُهَا مُنَاسَبَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى كَالثَّلْبِ وَالثَّلْمِ وَالنَّعِيقِ وَالنَّهِيقِ وَتُسَمَّى هَذِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ، وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ وَلَا مُشَاحَّةَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِاشْتِقَاقٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ حَظُّ الْأُصُولِيِّ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَسَّمَ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ بِاعْتِبَارِهِ فَقَالَ (هُوَ مُشْتَقٌّ مَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ) فَمَا وَافَقَ مَصْدَرًا شَامِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَبِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْخَاصُّ مُخْرِجٌ لِمَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ لَا بِمَعْنَاهُ كَضَرَبَ بِمَعْنَى بَيْنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرْبِ بِمَعْنَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ كَنَصَرَ بِمَعْنَى أَعَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِعَانَةِ، وَالْمُرَادُ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِهَا مَعَ تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمُشْتَقُّ عَلَى مِثْلِ جَمِيعِهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَصْلِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ نَحْوُ خَفْ مِنْ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بَعْدَ انْقِلَابِهَا أَلِفًا لِعَارِضِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ لِلْعِلْمِ بِهِ بِقَرِينَةٍ. وَمَعْنَاهُ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأُصُولِ، وَهِيَ مَا تُقَابَلُ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْهُ نَحْوُ الِاسْتِبَاقِ مِنْ السَّبْقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلزَّوَائِدِ فِي السَّبْقِ فَضْلًا عَنْ الْمُوَافَقَةِ فِيهَا وَنَحْوَ دَخَلَ مِنْ الدُّخُولِ، وَمَعَ زِيَادَةٍ يَعْنِي فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ فِي اللَّفْظِ زِيَادَةٌ أَمْ لَا كَفَرِحٍ مِنْ فَرِحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَاشِيَةً وَنَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ (هِيَ فَائِدَةُ الِاشْتِقَاقِ) فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَالْمَقْتَلُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَصْدَرًا) مِيمِيًّا (مَعَ الْقَتْلِ أَصْلَانِ مَزِيدٌ) ، وَهُوَ الْمَقْتَلُ (وَغَيْرُ مَزِيدٍ) ، وَهُوَ الْقَتْلُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمَقْتَلِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ بِالْمَقْتَلِ (زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ) فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (فَمُشْتَقٌّ مِنْهُ) أَيْ فَالْمَقْتَلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَتْلِ حِينَئِذٍ لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ فِي حُرُوفِهِ الْأُصُولِ بِتَرْتِيبِهَا، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ الْمَقْتَلِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَتْلِ بِالتَّقْوِيَةِ فِيهِ، وَفِي اللَّفْظِ أَيْضًا، وَهِيَ الْمِيمُ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الِاشْتِقَاقُ الْوَاقِعُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْقَتْلِ.
ثُمَّ بَقِيَ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أُمُورٍ. أَحَدُهَا لَمْ يَقُلْ مَا وَافَقَ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْفِعْلَ أَصْلٌ فِيهِ وَرَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْمَصْدَرَ أَصْلٌ فِيهِ بَلْ قَالَ مَصْدَرًا فَيَكُونُ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقَدْ بَيْنَ وَجْهَهُ فِي مَوْضِعِهِ. ثَانِيهَا الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُقَدَّرِ فَتَدْخُلُ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهَا مَصَادِرُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ وَتَبَارَكَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَا مَصَادِرَ لَهَا وَلَا أَفْعَالَ كَرِبْعَةٍ وَحَزَوَّرَ وَكَفَاخِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فَتُقَدَّرُ الْمَصَادِرُ لَهَا تَقْدِيرًا، وَالتَّعَقُّبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَقَّةٍ مِنْ مَصَادِرَ أُهْمِلَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهَا، وَإِنَّمَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمُشْتَقِّ لَوْ تَمَّ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ مُطْلَقًا.
ثَالِثُهَا ثُمَّ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، الْمُشْتَقَّةُ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي التَّكْمِلَةِ، وَعَبْدُ الْقَاهِرِ فِي شَرْحِهَا وَالسِّيرَافِيُّ لِكَوْنِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute