للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَنُسِبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ (قَبْلَ الِاجْتِهَادِ سِوَى إيجَابِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِيهَا (بِشَرْطِهِ فَمَا أَدَّى) الِاجْتِهَادُ (إلَيْهِ) أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا (تَعَلَّقَ) بِهَا وَكَانَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مُقَلِّدِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَزَادَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ بِخُرَاسَانَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْهُ وَعَنْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَبَعْضِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْحَدِيثِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَالْحَقُّ عِنْدَهُمْ مُتَعَدِّدٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ وَطَائِفَةٌ لَا بَلْ أَحَدُ تِلْكَ الْحُقُوقِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَمْتَنِعُ تَبَعِيَّتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (لِلِاجْتِهَادِ) لِحُدُوثِهِ أَيْ الْحُكْمِ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ فَذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ لِلَّهِ فِيهَا خِطَابًا لَكِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبًا، أَوْ حُرْمَةً، أَوْ غَيْرَهُمَا بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَالتَّابِعُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ لَا نَفْسُ الْخِطَابِ.

وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابَ اللَّهِ الْمُخْتَلَفَ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ بَلْ مَا يَتَأَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَيَسْتَلْزِمُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ الْعَمَلُ بِهِ (وَالْبَاقِلَّانِيّ) وَالْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ (وَطَائِفَةٌ) الْحُكْمُ (الثَّابِتُ) لِلْوَاقِعَةِ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (تَعَلُّقُ مَا يَتَعَيَّنُ) ذَلِكَ الْحُكْمُ (بِهِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ (وَإِذْ عِلْمُهُ) عَزَّ وَجَلَّ (مُحِيطٌ بِمَا سَيَتَعَيَّنُ) مِنْ الْحُكْمِ (أَمْكَنَ كَوْنُ الثَّابِتِ تَعَلُّقَ) حُكْمٍ (مُعَيَّنٍ) لَهَا (فِي حَقِّ كُلٍّ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُعَيَّنُ (مَا عُلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِذْ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ) لِلْوَاقِعَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتَلَفَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ (تَعَدَّدَ الْحُكْمُ بِتَعَدُّدِهِمْ، وَالْمُخْتَارُ) أَنَّ حُكْمَ الْوَاقِعَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا (حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، أَوْجَبَ طَلَبَهُ فَمَنْ أَصَابَهُ) فَهُوَ (الْمُصِيبُ وَمَنْ لَا) يُصِيبُهُ فَهُوَ (الْمُخْطِئُ وَنُقِلَ) هَذَا (عَنْ) الْأَئِمَّةِ (الْأَرْبَعَةِ) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُمْ بَلْ نَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَرَافِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الَّذِي حَرَّرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَمَنْ قَالَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْمُخْتَارُ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَفِي الْمَحْصُولِ: وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَيُنْسَبُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ (أَنَّ الْمُخْطِئَ مَأْجُورٌ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْخَطَإِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ (وَعَنْ طَائِفَةٍ لَا أَجْرَ وَلَا إثْمَ) ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ (لَا يَتَحَقَّقُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَجْرِهِ لَيْسَ عَلَى خَطَئِهِ بَلْ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الِاجْتِهَادِ، وَثُبُوتُ ثَوَابِ مُمْتَثِلِ الْأَمْرِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ لَا يَتَأَتَّى نَفْيُهُ وَإِثْمُ خَطَئِهِ مَوْضُوعٌ اتِّفَاقًا) بَيْنَ أَهْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ (فَهُوَ) أَيْ فَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْقَوْلُ (الْأَوَّلُ)

قُلْت: وَقَدْ حَكَى الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا عَلَيْهِ الْأَجْرُ لِلْمُخْطِئِ اخْتِلَافًا فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ بَلْ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ وَقِيلَ بَلْ عَلَى اشْتِدَادِهِ فِي تَقَصِّي النَّظَرِ، فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَشْتَدُّ أَوَّلًا ثُمَّ يَزُولُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمُخْطِئَ قَدْ يَحِيدُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ وَالرَّافِعِيُّ ثُمَّ الْأَجْرُ عَلَامَ فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَأَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَصْدِ إلَى الصَّوَابِ لَا الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَإِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ انْتَهَى، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ قَوْلُ الْمُزَنِيّ فِي كِتَابِ ذَمِّ التَّقْلِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الدِّينِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ لِإِرَادَتِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى قَصْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ خَطَأً كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ ثُمَّ وَجَدَهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ بَعْدَ تَلَفِ ثَمَنِهَا فَهُوَ مَأْجُورٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَقَعْ عِتْقُهُ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى فَكِّ الرَّقَبَةِ، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ وَشَبَّهَهُ الْقَفَّالُ بِرَجُلَيْنِ رَمَيَا إلَى كَافِرٍ فَأَخْطَأَ أَحَدُهُمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ الْإِصَابَةَ، وَالثَّانِي يُؤْجَرُ عَلَى الْقَصْدِ، وَالِاجْتِهَادِ جَمِيعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>