(وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ (بَعْدَ الْحَظْرِ لِمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ قَبْلَ الْمَنْعِ (فَإِنْ) اعْتَرَضَ الْحَظْرُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) ثُمَّ وَقَعَ الْأَمْرُ بِذَاكَ الْمُبَاحِ أَوْ لَا (كَ اصْطَادُوا فَلَهَا) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ (أَوْ) اعْتَرَضَ (عَلَى الْوُجُوبِ كَ اغْسِلِي عَنْكِ وَصَلِّي فَلَهُ) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ وَاجِبَةً ثُمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ (فَلْنَخْتَرْ ذَلِكَ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِلَفْظِ قِيلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ: الْفِعْلُ إنْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ ثُمَّ وَرَدَ حَظْرٌ مُعَلَّقٌ بِغَايَةٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ بِعِلَّةٍ عَرَضَتْ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَ زَوَالِ مَا عُلِّقَ الْحَظْرُ بِهِ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ حَرُمَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ قَوْلُهُ " فَاصْطَادُوا " إعْلَامًا بِأَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ قَدْ ارْتَفَعَ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَظْرُ وَارِدًا ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعَلَّلٍ بِعِلَّةٍ عَارِضَةٍ وَلَا مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ وَلَا غَايَةٍ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَهُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.
زَادَ فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ فِي الْمُعْتَمَدِ: الْأَمْرُ إذَا وَرَدَ بَعْدَ حَظْرٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ أَفَادَ مَا يُفِيدُهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَظْرٌ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَظْرِ (الْإِبَاحَةُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ مِنْ الِاصْطِيَادِ وَأَخَوَاتِهِ (لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ (شُرِعَتْ لَنَا فَلَا تَصِيرُ) وَاجِبَةً (عَلَيْنَا) بِالْأَمْرِ لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (لَا يَدْفَعُ اسْتِقْرَاءَ أَنَّهَا) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ (لَهَا) أَيْ لِلْإِبَاحَةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الِاسْتِقْرَاءَ مَعَ الْقَرِينَةِ دَلِيلٌ (مُوجِبٌ لِلْحَمْلِ) أَيْ حَمْلِ الْأَمْرِ (عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيمَا لَا قَرِينَةَ مَعَهُ) عَلَى مَا نُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ أَوَّلًا (وَ) مُوجِبٌ لِحَمْلِهِ (عَلَى مَا اخْتَرْنَا عَلَى مَا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ) مِنْ الْحُكْمِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كُلَّمَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ كَانَتْ مُتَجَوَّزًا بِهَا فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا غَلَبَ وَاسْتَمَرَّ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ (ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ) هَذَا (مَنْ قَدَّمَ الْمَجَازَ الْمَشْهُورَ) عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَنْ وَافَقَهُمَا (لَا أَبَا حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ لَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهَا بَلْ يُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ (إلَّا أَنَّ تَمَامَ الْوَجْهِ) - أَيْ وَجْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - ثَابِتٌ (عَلَيْهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِيهَا) كَمَا سَيَأْتِي فَيَلْزَمُ تَرَجُّحُ كَوْنِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ - حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا الْمَذْكُورِ - وَكَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ عَنْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَظْرَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ الْحَظْرُ انْتَفَى الْمَانِعُ فَبَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى كَأَنَّ الْآمِرَ قَالَ: قَدْ كُنْت مَنَعْت مِنْ كَذَا وَقَدْ رَفَعْت ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ الْمَنْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَهُ فَإِنْ قُلْت لَكِنَّ كَوْنَهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ فَكَمَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ قَرِينَتِهَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حَمْلًا لَهُ عَلَى الْأَغْلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ: كَوْنُهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا بَلْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ فَإِذَا انْتَفَتْ قَرِينَتُهَا كَانَتْ قَرِينَةُ غَيْرِهَا مَوْجُودَةً فَيُعْمَلُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوُجُوبَ - وَهُوَ ظَاهِرٌ - أَوْ غَيْرَهُ لِانْتِفَاءِ مُزَاحَمَةِ الْمَجَازِ الَّذِي لَا قَرِينَةَ لَهُ لِمَا لَهُ قَرِينَةٌ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ انْتِفَاءُ التَّوَقُّفِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا، وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْأَمْرُ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ كَالْأَمْرِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute