الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا وَيَثْبُتُ الْفَصْلُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَيَثْبُتُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ فِي النَّدْبِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ.
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى) الْوَضْعِيِّ بِتَمَامِهِ (وَعَدَمَهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى جُزْئِهِ (لَا دَخْلَ لَهَا) وَالظَّاهِرُ لَهُمَا أَيْ لِلدَّلَالَةِ وَعَدَمِهَا (فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا وَعَدَمِهِ) أَيْ وَعَدَمِ كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا (بَلْ) الَّذِي لَهُ دَخْلٌ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ مَجَازًا (اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ (وَإِرَادَتُهُ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ (بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي كَوْنَ اللَّفْظِ حَقِيقَةً مُطْلَقَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ، وَكَوْنَهُ حَقِيقَةً قَاصِرَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، وَكَوْنَهُ مَجَازًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةِ لِلْوَضْعِيِّ وَلَا دَخْلَ لِدَلَالَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلِذَا ثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ بَلْ فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَجَازٌ وَلَهُ دَلَالَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَلَيْسَ حَقِيقَةً إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى مَعْلُومَةٌ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَضْعِيِّ فَثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ وَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ (اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ إلَّا عَلَى جُزْئِهِ إطْلَاقُ الْفِعْلِ) أَيْ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي الْإِبَاحَةِ مَثَلًا - الَّتِي هِيَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَاصِرَةً، وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى جُزْءِ الْإِبَاحَةِ أَعْنِي رَفْعَ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ، وَهُوَ الْوُجُوبُ بَلْ وَعَلَى جُزْئِهِ الْآخَرِ وَهُوَ إثْبَاتُهُ بِالتَّرْكِ، إذْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ لَا يَسْقُطُ فَدَلَّ تَضَمُّنًا عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي هَذَا الْجُزْءِ بِخُصُوصِهِ بَلْ لِلْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ التَّرْكِ الَّذِي بِهِ يُبَايِنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثَمَّ فِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي جِنْسِ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ فَغَيْرُ مُفِيدٍ وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْمَجَازِ فَمَمْنُوعٌ.
لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ جَزْمًا فِي طَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ إجَازَةِ التَّرْكِ وَالْإِذْنِ فِيهِ مَرْجُوحًا أَوْ مُسَاوِيًا بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ، قُلْت: هُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الْإِنْسَانِ الشُّجَاعِ وَإِرَادَتِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الشُّجَاعِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِيَّاتِ الْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِ مَثَلًا، فَإِذَا كَانَ الْجَامِعُ هَاهُنَا هُوَ جَوَازَ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ كَانَ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ، وَتَثْبُتُ خُصُوصِيَّةُ كَوْنِهِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ بِدُونِهِ بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَنَّ الْأَسَدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الشُّجَاعِ وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ إنْسَانًا بِالْقَرِينَةِ، اهـ.
وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَكَوْنُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (فِيهَا) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ (مِنْ حَيْثُ هُمَا) أَيْ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ (مِنْ أَفْرَادِ الْجَامِعِ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْجَامِعُ (الْإِذْنُ) فِي الْفِعْلِ (كَاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute