وَكَوْنُهُ دَلِيلًا (لِلْوَقْفِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي) وَهُوَ لَا يَدْرِي مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَهُوَ الْمَرَّةُ أَمْ التَّكْرَارُ (أَظْهَرُ) مِنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِاحْتِمَالِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ظَاهِرًا لِلْمَرَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ السُّؤَالِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الِاسْتِخْبَارِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ خَفِيًّا عَلَى السَّامِعِ فَإِنَّ سُؤَالَهُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِيرَادُهُ) دَلِيلًا (لِإِيجَابِ التَّكْرَارِ وُجِّهَ بِعِلْمِهِ) أَيْ السَّائِلِ (بِدَفْعِ الْحَرَجِ) فِي الدِّينِ وَفِي حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَلَى التَّكْرَارِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ) هَذَا التَّوْجِيهَ (السُّؤَالُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلتَّكْرَارِ، إذْ يُقَالُ: إنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَيُعْتَذَرُ بِهَذَا (لَا كَوْنُهُ دَلِيلًا لِوُجُوبِ التَّكْرَارِ) لِاسْتِغْنَائِهِ حِينَئِذٍ عَنْ السُّؤَالِ ظَاهِرًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ (أَوْ احْتِمَالِهِ) فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْسَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْقَطْعِ بِالْمَرْجُوحِ لِظَنِّهِ بِقَرِينَةٍ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْجَوَابُ) لِلْجُمْهُورِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ (أَنَّ الْعِلْمَ بِتَكْرِيرِ) الْحُكْمِ (الْمُتَعَلِّقِ بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ ثَابِتٌ فَجَازَ كَوْنُهُ) أَيْ سُؤَالِ السَّائِلِ (لِإِشْكَالِ أَنَّهُ) أَيْ سَبَبَ الْحَجِّ (الْوَقْتُ فَيَتَكَرَّرُ) الْحَجُّ لِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ (أَوْ) أَنَّ سَبَبَهُ (الْبَيْتُ فَلَا) يَتَكَرَّرُ لَا لِكَوْنِ الْأَمْرِ يُوجِبُ التَّكْرَارَ أَوْ يَحْتَمِلُهُ أَوْ لِلْوَقْفِ فِي مُقْتَضَاهُ، وَالِاحْتِمَالُ مُسْقِطٌ لِلِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، نَعَمْ كَوْنُ السَّائِلِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، ثُمَّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى لَوْ قُلْت نَعَمْ لَتَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ، وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ مَعْنَاهُ لَصَارَ الْوَقْتُ سَبَبًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ صَاحِبَ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ نَصْبُ الشَّرَائِعِ. هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ سُرَاقَةُ، فَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ اهـ. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآثَارِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَمَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ عُمْرَتِنَا هَذِهِ أَلَنَا خَاصَّةً أَمْ هِيَ لِلْأَبَدِ قَالَ هِيَ لِلْأَبَدِ» (وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (عَلَى التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ وَاحْتِمَالِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ طَلِّقْهَا يَمْلِكُ) الْمَأْمُورُ أَنْ يُطَلِّقَ (أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ) جُمْلَةً وَمُتَفَرِّقَةً (بِلَا نِيَّةٍ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ التَّكْرَارِ، أَمَّا مَا لَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا نَوَى عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّكْرَارَ عِنْدَهُمْ فَقَدْ يَمْنَعُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ، وَالنِّيَّةُ دَلِيلٌ، انْتَهَى.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْهُ مُسَلَّمٌ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ وُجِدَ الْمَانِعُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ مُوجَبِهِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ لِلتَّخْفِيفِ (وَبِهَا) أَيْ وَيَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ بِالنِّيَّةِ (عَلَى الثَّالِثِ) أَيْ احْتِمَالِ التَّكْرَارِ مُطَابِقًا لِنِيَّتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ (وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ عَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّكْرَارَ (وَهُوَ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) سَوَاءٌ نَوَاهَا أَوْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (وَالثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ لَا الثِّنْتَانِ) وَإِنْ نَوَاهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَفَرِّعَ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (تَعْدَادُ الْأَفْرَادِ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute