للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ الْمَأْمُورَ بِهِ أَصْلًا كَمَا يَجُوزُ الْبِدَارُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ،.

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ نَصٌّ، وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ.

وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالتَّرَاخِي، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْبِدَارِ لَا أَنَّ الْبِدَارَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَقِيلَ يُوجِبُ الْفَوْرَ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ) لِلْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ (الْقَاضِي) الْأَمْرُ يُوجِبُ (إمَّا إيَّاهُ) أَيْ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ (أَوْ الْعَزْمَ) عَلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ.

(وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَنَّهُ لُغَةً لِلْفَوْرِ أَمْ لَا فَيَجُوزُ التَّرَاخِي وَلَا يَحْتَمِلُ وُجُوبَهُ) أَيْ التَّرَاخِي (فَيَمْتَثِلُ بِكُلٍّ) مِنْ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي (مَعَ التَّوَقُّفِ فِي إثْمِهِ بِالتَّرَاخِي، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الِامْتِثَالِ) إنْ بَادَرَ بِهِ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ فِي الْفَوْرِ (لِاحْتِمَالِ وُجُوبِ التَّرَاخِي، لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَنَّهُ (لَا يَزِيدُ دَلَالَةً عَلَى مُجَرَّدِ الطَّلَبِ) مِنْ فَوْرٍ أَوْ تَرَاخٍ لَا بِحَسَبِ الْمَادَّةِ وَلَا بِحَسَبِ الصِّيغَةِ (بِالْوَجْهِ السَّابِقِ) فِي السَّابِقَةِ، وَهُوَ إطْبَاقُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْأَمْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا إلَّا عَلَى الطَّلَبِ فِي خُصُوصِ زَمَانٍ إلَى آخِرِهِ (وَكَوْنُهُ) دَالًّا (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي (خَارِجٌ) عَنْ مَدْلُولِهِ (يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ كَ اسْقِنِي) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ لِلْعِلْمِ الْعَادِيِّ بِأَنَّ طَلَبَ السَّقْيِ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَاجِلًا (وَافْعَلْ بَعْدَ يَوْمٍ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي بِقَوْلِهِ بَعْدَ يَوْمٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِ.

أَوَّلًا (كُلُّ مُخْبِرٍ) بِكَلَامٍ خَبَرِيٍّ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ (وَمُنْشِئٍ كَ بِعْت وَطَلِّقْ يَقْصِدُ الْحَاضِرَ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِدًا لِلْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ بِمَا ذَكَرَهُ (فَكَذَا الْأَمْرُ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَبَرِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ - الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحَاضِرُ - كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْشَاءً.

(قُلْنَا) هَذَا (قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ) لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْأَمْرِ فِي إفَادَتِهِ الْفَوْرَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ وَهُوَ مَعَ عَدَمِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَمَا الظَّنُّ (مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ تَعَيُّنُ الْحَاضِرِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْأَمْرِ غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمَطْلُوبِ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَا يُطْلَبُ (وَالْحَاضِرُ الطَّلَبُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّلَبِ بَلْ فِي الْمَطْلُوبِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا (أَوَّلَ زَمَانٍ يَلِيهِ) أَيْ الطَّلَبَ (فَالْفَوْرُ أَوْ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا فِي زَمَانٍ هُوَ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوَّلِ زَمَانٍ يَلِي الطَّلَبَ (فَوُجُوبُ التَّرَاخِي أَوْ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا (مُطْلَقًا فَمَا يُعَيِّنُهُ) الْمَأْمُورَ مِنْ الْوَقْتِ (لَا عَلَى أَنَّهُ) أَيْ التَّرَاخِيَ (مَدْلُولُ الصِّيغَةِ قَالُوا)

ثَانِيًا (النَّهْيُ يُفِيدُ الْفَوْرَ فَكَذَا الْأَمْرُ) لِأَنَّهُ طَلَبٌ مِثْلُهُ.

(قُلْنَا) قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَأَيْضًا الْفَوْرُ (فِي النَّهْيِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَطْلُوبِ بِهِ) أَيْ بِالنَّهْيِ (وَهُوَ الِامْتِثَالُ) إنَّمَا يَكُونُ (بِالْفَوْرِ) لِأَنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَتَحَقُّقُ تَرْكِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ (لَا أَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (يُفِيدُهُ) أَيْ الْفَوْرَ.

(وَقَوْلُنَا ضَرُورِيٌّ فِيهِ أَيْ فِي امْتِثَالِهِ قَالُوا)

ثَالِثًا (الْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ الْأَضْدَادِ وَهُوَ) أَيْ النَّهْيُ (لِلْفَوْرِ فَيَلْزَمُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ لِيَتَحَقَّقَ امْتِثَالُ النَّهْيِ عَنْهَا) أَيْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ (وَتَقَدَّمَ) الْآنَ (نَحْوُهُ وَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ) فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ بِالْفَوْرِ لَا أَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُهُ (قَالُوا)

رَابِعًا (ذَمَّ) اللَّهُ - تَعَالَى - إبْلِيسَ (عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِ) بِقَوْلِهِ {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: ١٢] حَيْثُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>